____________________________________
ومنها : تجويز العقاب على الصغيرة سواء اجتنب مرتكبها الكبيرة أم لا لدخولها تحت قوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١). ولقوله تعالى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) (٢). أي عدّها وحصرها والإحصاء إنما يكون للسؤال والجزاء ، وذهب بعض المعتزلة إلى أنه إذا اجتنب الكبائر لم يجز تعذيبه لا بمعنى أنه يمتنع عقلا ، بل بمعنى أنه لا يجوز أن يقع لقيام الأدلة السمعية على أنه لا يقع كقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٣). وأجيب بأن الكبيرة المطلقة هي الكفر لأنه الكامل وجمع الاسم بالنظر إلى أنواع الكفر ، وإن كانت الكاملة واحدة في الحكم أو إلى إفراده القائمة على ما تمهّد من قاعدة أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي انقسام الآحاد بالآحاد كقولنا : ركب القوم دوابّهم ولبسوا ثيابهم كذا حقّقه العلّامة في شرح العقائد ، فيكون التقدير على التقرير الأول : أن تجتنبوا أنواع الكف وفيه أنه يلزم حينئذ أن لا يجوز العقاب على ما عدا الكفر صغيرة كانت أو كبيرة : اللهمّ إلّا أن يقال : المعنى نكفّر عنكم سيئاتكم المكتسبة قبل اجتناب الكفر ، فيكون الخطاب للكفرة ، وقيل : يقدّر فيه الاستثناء بالمشيئة أي نكفّر عنكم سيئاتكم إن شئنا ، وقال شيخنا ومولانا عبد الله السندي (٤) رحمهالله تعالى على ما وجدنا بخطه : إن تقدير الاستثناء يغني عن حمل الكبائر على الكفر قلت : ما قدّر الاستثناء إلا لتصحيح حمل الكبائر على الكفر دفعا للزوم المتقدّم إذ لو حمل الكبائر على عمومها لما صحّ الاستثناء للزوم انحصار الصغيرة تحت المشيئة ، وخروج الكبيرة وهو خلاف نص قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (٥) الآية. وأيضا يلزم كون الصغيرة تحت المشيئة بشرط اجتناب الكبائر وليس كذلك ، بل قد تكفّر الصغيرة بمكفّر ، أو بعفو من الله ، ولو كان صاحبها مرتكب الكبيرة وقال العلّامة مولانا عصام الدين في معنى الآية : أن المعلّق عليه لتكفير السيئات هو اجتناب عن الكفر ، فيدخل في التكفير الكبائر أيضا ، ولا خلاف أنها لا تكفّر بمجرد الاجتناب ، فالمغفرة والتكفير لا بدّ له من تعليق آخر وهو المشيئة عندنا مطلقا والتوبة في الكبائر عند
__________________
(١) النساء : ٤٨.
(٢) الكهف : ٤٩.
(٣) النساء : ٣١.
(٤) هو عبد الله بن سعد الدين المدني المعروف بالسندي المتوفى سنة ٩٨٤ ه وله حاشية على شرح عوارف المعارف.
(٥) النساء : ٤٨.