____________________________________
الإنشاء ، وفيه إيماء إلى مضمون قوله تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) (١). أي ألا يعلم قبل الإنشاء من خلق الأشياء ، فعلمه قديم وبعض متعلقاته حادث ، وقد قال الله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : «أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب ، فقال القلم :ما ذا أكتب يا رب؟ فقال الله تعالى : أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» (٣). وفي هذا التحقيق دلالة على ما قاله أهل الحق من أن حقائق الأشياء ثابتة ...
وقال الإمام الأعظم رحمهالله في كتابه الوصية : ثم نقرّ بأن تقدير الخير والشرّ كله من الله تعالى لقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٤) ومن زعم أن تقدير الخير والشر من عند غير الله كان كافرا بالله وبطل توحيده لو كان له التوحيد. انتهى ... وقد قال الله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٥). وردّ فخر الإسلام في أصوله قول من قال المراد بهذا القول سرعة الإيجاد وتحقيق ما أراد حيث أفاد أن هذا عندنا محمول على أنه أريد به التكلّم بهذه الكلمة على الحقيقة لا على المجاز عن سرعة الإيجاد ، بل هو كلام وارد على حقيقته من غير تشبيه ولا تعطيل في نعته ، وكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي في أصوله حيث قال ردّا على من قال إن ذلك القول مجاز عن التكوين : أما الكتاب فقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) (٦). فالمراد حقيقة هذه الكلمة عندنا لا أن يكون مجازا عن التكوين كما زعم بعضهم يعني أبا منصور الماتريدي ، وأكثر المفسرين : فإنّا نستدلّ به على أن كلام الله غير محدث ولا مخلوق ، لأنه سابق على المحدثات أجمع ، وحرّف الفاء للتعقيب أي في قوله تعالى :
__________________
(١) الملك : ١٤.
(٢) يونس : ٦١.
(٣) حديث صحيح أخرجه أبو داود ٤٧٠٠ ، والترمذي ٢١٥٥ و ٣٣١٩ ، وأحمد ٥ / ٣١٧ ، والطيالسي ٥٧٧ ، والآجري في الشريعة ص ١٧٧ ، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ٣٨٧ ، وأبو نعيم ٥ / ٢٤٨ كلهم من حديث عبادة بن الصامت وله شاهد من حديث ابن عباس عند ابن جرير ٢٩ / ١١ وأبو يعلى ق ١٢٦ / ١ والبيهقي في الأسماء ص ٣٧٨ بلفظ : «إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم فأمره فكتب كل شيء» ورجاله ثقات.
(٤) النساء : ٧٨.
(٥) يس : ٨٢.
(٦) الروم : ٢٥.