____________________________________
الاحتمالات الثلاث ، وذلك لغموضه وخفائه ، فلذلك كان المخطئ معذورا فلمن أصاب أجران ، ولمن أخطأ أجر واحد (١) ، كما ورد في حديث آخر إذا أصبت فلك عشر حسنات ، وإن أخطأت فلك حسنة (٢) ، ثم الدليل على أن المجتهد قد يخطئ. قوله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) (٣). أي دون داود إذ الضمير راجع إلى الحكومة أو الفتيا ولو كان كلّ من الاجتهادين صوابا لما كان لتخصيص سليمان بالذكر فائدة ، وتوضيحه : أن داود حكم بالغنم لصاحب الحرث بدل إفساده ، وبالحرث لصاحب الغنم ، وحكم سليمان بأن يكون الغنم لصاحب الحرث فينتفع بها أي بدرّها ونسلها وشعرها وصوفها ، وحكم بدفع الحرث لصاحب الغنم ، فيقوم صاحب الغنم على الحرث حتى يرجع ويعود كما كان فإذا صار الحرث كما كان فيرجع ويأخذ كل واحد منهما ملكه وماله ، وهذا كان في شريعتهم ، وأما في شريعتنا فلا ضمان عند أبي حنيفة رحمهالله وأصحابه سواء كان بالليل أو بالنهار ، إلا أن يكون مع البهيمة سائق ، أو قائد ، وعند الشافعي رحمهالله يجب ضمان المتلف بالليل إذ المعتاد ضبط الدواب ليلا ، وكان حكم داود وسليمان عليهمالسلام بالاجتهاد دون الوحي ، وإلا لما جاز لسليمان عليهالسلام خلافه ولا لداود عليهالسلام الرجوع عنه ولو كان كلّ من الاجتهادين حقّا لكان كلّ منهما قد أصاب الحكم وفهمه ، ولم يكن لتخصيص سليمان عليهالسلام بالذكر وجه ، فإنه وإن لم يدلّ على نفي الحكم عمّا عداه دلالة كلية لكنه يدلّ عليه في هذا الموضع بمعونة المقام كما لا يخفى على من له معرفة بأفانين الكلام ، وهذا مبني على جواز اجتهاد الأنبياء عليهمالسلام وتجويز وقوعهم في الخطأ لكن بشرط أن ينبّهوا حتى ينتبهوا وقد يجاب بأن المعنى من قوله : ففهمناها سليمان أي الفتوى والحكومة التي هي أحقّ ، وأولى بدليل قوله تعالى : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) (٤) الآية ، فإنه يفهم منه إصابتهما في فصل الخصومات والعلم بأمر
__________________
(١) يشير المصنّف إلى حديث أبي هريرة : «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر». أخرجه البخاري ٧٣٥٢ ، ومسلم ١٧١٦ ، وأبو داود ٣٥٧٤ ، والترمذي ١٣٢٦ ، والنسائي ٨ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، وأحمد ٤ / ١٩٨ ، والبيهقي ١٠ / ١١٩ ، والدارقطني ٤ / ٢٠٤ ، وابن حبّان ٥٠٦٠ ، والشافعي ٢ / ١٧٦.
(٢) أخرجه أحمد ٤ / ٢٠٥ ، والحاكم ٤ / ٨٨ من حديث عمرو بن العاص وصحّحه الحاكم واعترض عليه الذهبي بقوله : فرج ضعّفوه وذكره الهيثمي في المجمع ٤ / ١٩٥ وقال : رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه من لم أعرفه.
(٣) الأنبياء : ٧٩.
(٤) الأنبياء : ٧٩.