____________________________________
مرئي ، وقد ذكر الإمام الزاهد الصفار (١) في آخر كتاب التلخيص : أن المعدوم مستحيل الرؤية ، وكذا المفسّرون ذكروا أن المعدوم لا يصلح أن يكون مرئي الله تعالى ، وكذا قول السلف من الأشعرية والماتريدية أن الوجود علة جواز الرؤية مع الاتفاق على أن المعدوم الذي يستحيل وجوده لا يتعلق برؤيته سبحانه.
واختلف في المعدوم أنه شيء أم لا ، فقالت المعتزلة : هو شيء لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢). فإن كل شيء مقدور بهذا النص ، والموجود ليس بمقدور أصلا لاستحالة إيجاد الموجود فتعيّن أن يكون المراد منه المعدوم ولقوله تعالى : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (٣). سمّى الزلزلة قبل وجودها شيئا وعندنا المعدوم ليس بشيء لقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (٤). فالله تعالى أخبر أنه لم يكن شيئا قبل الوجود ، وهذا لا يحتمل التدويل ، فكيف يكون المعدوم شيئا فتسمية الشيء في الآيتين السابقتين باعتبار المال. والله أعلم بالحال ، وسيأتي زيادة تحقيق لذلك.
ثم اعلم أن إضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية وتعديته بإلى الصريحة في نظر العين وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أنه تعالى أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الربّ جلّ جلاله ، فإن النظر له عدّة استعمالات بحسب صلاته واختلاف متعلقاته وتعديته بنفيه فإنه إن عدّي بنفسه فمعناه التوقيف والانتظار كقوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) (٥). وقوله تعالى : (لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا) (٦). وإن عدّي نفي فمعناه التفكّر والاعتبار كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٧) وإن عدّي بإلى فمعناه المعاينة بالأبصار ، كقوله تعالى : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) (٨). فكيف إذا أضيف إلى الوجه
__________________
(١) هو أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن إسحاق بن شيث الأنصاري البخاري الحنفي الصفّار. توفي سنة ٥٣٤. صنّف من الكتب تخليص الزاهد ، تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد.
(٢) البقرة : ٢٠.
(٣) الحج : ١.
(٤) مريم : ٩.
(٥) الحديد : ١٣.
(٦) البقرة : ١٠٤.
(٧) الأعراف : ١٨٥.
(٨) الأنعام : ٩٩.