____________________________________
أن نتمسك بالدلائل السمعية في إثبات مذهبنا فإنه أسرع في إلزام الخصوم وأظهر في تفهيم العوامّ ، وإذا ذكر الخصوم شبهتهم على هذه الدلائل الثقيلة نعارضهم بالمعقول على وجه الدفع والردّ هذا وذهبت طائفة من مثبتي الرؤية استحالة رؤية الله تعالى في المنام منهم الشيخ أبو منصور الماتريدي ، قيل : وعليه المحقّقون واحتجوا بأن ما يرى في المنام خيال ومثال والله تعالى ينزّه عن ذلك وجوّزها بعض أصحابنا لكن بلا كيفية وجهة ومقابلة وخيال ومثال متمسكين بالمحكي عن السلف ، كما روي عن أبي يزيد قال : رأيت ربي في المنام فقلت : كيف الطريق إليك؟ فقال : اترك نفسك وتعال (١) ، وقيل : رأى أحمد بن حنبل ربه في المنام ، فقال : يا أحمد كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد ، فإنه يطلبني (٢) ، ولعل سببه أنه قيل لأبي يزيد ما تريد؟ فقال : أريد أن لا أريد ، وروي عن حمزة الزيّات (٣) وأبي الفوارس شاه بن شجاع الكرماني ، ومحمد بن علي الحكيم الترمذي (٤) والعلّامة شمس الأئمة الكردي (٥) أنهم رأوه في المنام ، وسيأتي بعض ما يتعلق بهذه المسألة على وجه التكملة ، وأما قول قاضي خان أن ترك الكلام في هذه المسألة حسن (٦) فغير مستحسن لأن ترك الكلام لا يفيد تحقيق المرام وتثبيت الأحكام.
ثم اعلم أنه وقع بحث طويل بمقتضى أدلة العقل بين الإمام نور الدين الصابوني (٧) وبين الشيخ رشيد الدين في أن المعدوم مرئي ، أو ليس بمرئي ، وقد رجع الشيخ إلى قول الإمام في آخر الكلام لأنه كان مؤيدا بالنقل ، فقد أفتى أئمة سمرقند وبخارى على أنه غير
__________________
(١) لا يصح شيء من هذا الكلام فهو من خرافات الصوفية.
(٢) لم تصح رؤيا الإمام أحمد ربه وكلها من عند العلماء بل قالوا كلها قصص واهية الإسناد لا يعوّل عليها في شيء.
(٣) هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيّات ، أبو عمارة التميمي أحد السبعة من القرّاء ، وفي الطبقة الرابعة من الكوفيين توفي سنة ١٥٨ ه. من تصانيفه كتاب الفرائض وكتاب القراءة.
(٤) هو محمد بن علي بن الحسين بن بشير المؤذّن المعروف بالحكيم الترمذي ، المحدّث الزاهد المتوفى سنة ٢٥٥ ه. من تصانيفه إثبات العلل للشريعة ، وختم الأنبياء ، ونوادر الأصول وغيرها.
(٥) هو أحمد بن مظفر الرازي شمس الأئمة الكردري ، شرح كتاب القدوري وسمّاه المجتبى. توفي سنة ٦٤٢ ه.
(٦) الصواب ما قاله قاضي خان رحمهالله وهو ترك الكلام في هذه المسألة لأنه لها فائدة من الجري وراء هذه الخرافات.
(٧) هو نور الدين أحمد بن محمد الصابوني الحنفي ، من تصانيفه الهداية في علم الكلام ، ثم اختصره وسمّاه البداية توفي سنة ٥٠٨ ه.