____________________________________
فصل
وقال الإمام الأعظم رحمهالله في كتابه الوصية ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ، ولا جهة حق. انتهى. والمعنى : أنه يحصل النظر بأن ينكشف انكشافا تامّا بالبصر منزّها عن المقابلة والجهة والهيئة فهي أمر زائد على صفة العلم ، فإنّا إذا نظرنا إلى البدر مثلا بعين البصر ، ثم غمضنا العين عن النظر فلا خفاء في أنه وإن كان منكشفا لدينا في الحالين لكن انكشافه حال النظر إليه أتم وأكمل ، وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «ليس الخبر كالمعاينة» (١). وقول إبراهيم عليهالسلام : ولكن ليطمئن قلبي فإن عين اليقين رتبة فوق علم اليقين ، ومن هنا قال موسى عليهالسلام : ربّ أرني أنظر إليك ...
والحاصل أن رؤيته تكون على وجه خارق للعادة من غير اعتبار المقابلة لهذه الحاسة كما روي عنه صلىاللهعليهوسلم : «أتمّوا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري» (٢). على ما رواه الشيخان ، وكما يرانا الله تعالى اتفاقا فإن الرؤية نسبة خاصة بين طرفي الرائي والمرئي ومتعلقي رؤيتهما.
قال الفخر الرازي : مذهبنا في هذه المسألة ما اختاره الشيخ أبو منصور الماتريدي
__________________
(١) أخرجه ابن حبان ٢٠٨٨ ، وابن أبي حاتم فيما ذكره ابن كثير ٢ / ٢٤٨ ، والبزار ٢٠٠ ، والطبراني ١٢٤٥١ من طريقين ، عن أبي عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر أخبره ربه عزوجل أن قومه فتنوا بعده ، فلم يلق الألواح ، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح». وسنده صحيح.
وأخرجه أحمد ١ / ٢١٥ و ٢٧١ ، وابن حبان ٢٠٨٧ ، والحاكم ٢ / ٣٢١ ، والخطيب ٩ / ٥٦ من طريق هشيم ، عن أبي بشر به بلفظ : «ليس الخبر كالمعاينة ، إن الله عزوجل أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح ، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت». ورجاله ثقات ، وهشيم وإن كان مدلسا فقد انتفت شبهة تدليسه بمتابعته أبي عوانة في الرواية المتقدمة ، وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي ، وذكره السيوطي في الدرّ المنثور ٣ / ١٢٧ ، وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وأبي الشيخ وابن مردويه.
وله شاهد عن أنس عند الطبراني في الأوسط ٢٨ مجمع البحرين من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدّثنا أبي ، عن ثمامة عن أنس رفعه قال الهيثمي في المجمع ١ / ١٥٣ : ورجاله ثقات.
وآخر من حديث أبي هريرة عند الخطيب البغدادي في تاريخه ٨ / ٢٨.
(٢) أخرجه البخاري ٦٦٤٤ ، ومسلم ٤٣٣ و ٤٣٤ ، وأبو داود ٦٦٧ و ٦٦٨ و ٦٦٩ و ٦٧٠ و ٦٧١ ، والنسائي ٢ / ٩١ ، كلهم من حديث أنس بن مالك.