____________________________________
الْمَعْلُومِ) (١). ففي الجملة استجبت دعاءه (٢) حيث أريد إغواءه (٣) فإنه رئيس أرباب الضلالة كما أن نبيّنا صلىاللهعليهوسلم رئيس أصحاب الهداية ، فالأول من مظاهر الجلال ، والثاني من مظاهر الجمال ، ولا بدّ منهما لظهور نور نعت الكمال ، ولذا قال الشيخ أبو مدين المغربي رضي الله عنه :
لا ينكر الباطل في طوره |
|
فإنه بعض ظهوراته (٤) |
يعني باعتبار تجليات صفاته في مرأى مصنوعاته ، وإنما جمع الإمام الأعظم رحمهالله بين إبليس وفرعون ذي التلبيس ، لما روي عن الساعدي رضي الله عنه : بلغنا أن جبرائيل عليهالسلام قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما أبغضت عبدا من عباد الله ما أبغضت عبدين أحدهما من الجن ، والآخر من الإنس ، أما الذي من الجن فإبليس حين أبى أن يسجد لآدم عليهالسلام ، وأما الذي من الإنس ففرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى (٥) ، وأقول بل فرعون أشد من إبليس بوجهين. أحدهما : أنه من نسل الإنسان ، وظهر منه هذا الطغيان ، وإبليس من الجنّ ولا يبعد منهم ظهور العصيان. وثانيهما : أن إبليس ترك السجدة لغير الله استحقارا وفرعون ادّعى الربوبية استكبارا ، ومن الغريب أن الشيطان يغوي الإنسان بعبادة غير الرحمن ، ولم يأمر بعبادة نفسه في زمان الطغيان ، ولعل ذلك لكمال تنفّره عن قلوب الإنسان ، ولكونه عارفا إلا أنه بوعد من مقام الإحسان.
ومن اللطائف الملحقة بالظرائف أن إبليس دقّ باب قصر فرعون حيث لم يكن عنده أحد من أصحاب العون فقال : من هذا على الباب؟ فضحك وقال في الجواب : الضرطة في ذقن من يدّعي الإلهية والربوبية ، ولم يدر من يقف على بابه من الرعية وأرباب العبودية ، هذا وقد يكون خرق العادة إهانة بأن يقع على خلاف الإرادة ، كما نقل أن مسيلمة الكذاب ، دعا للأعور أن تصير عينه العوراء سليمة فصارت عينه الصحيحة عوراء سقيمة.
واعلم أن ظهور خرق العادة بطريق الموافقة على يد المتألّه جائز دون المتنبي ، لأن
__________________
(١) الحجر : ٣٧.
(٢) كتبت همزة دعاءه في الأصل على واو هو خطأ والصواب على السطر.
(٣) كتبت همزة إغواءه على الواو والصواب على السطر كما أثبتنا.
(٤) تقدم التعليق على قول أبو مدين هذا فيما سبق فانظره لزاما.
(٥) السدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن تابعي صغير روى الكثير عن أهل الكتاب وهذا منها.