مما روي في الأخبار أنه كان ويكون لهم لا نسمّيها آيات ولا كرامات ، ولكن نسمّيها قضاء حاجات لهم ، وذلك لأن الله تعالى يقضي حاجات أعدائه استدراجا لهم وعقوبة لهم فيغترّون به ويزدادون طغيانا وكفرا وذلك كله جائز وممكن ...
____________________________________
ويحييه (مما روي في الأخبار) أي الأحاديث والآثار (أنه كان) أي بعض الخوارق (يكون لهم) أي ولأمثالهم وفي نسخة ويكون لهم نظرا إلى أن خرق العادة للدجّال إنما يكون في حال الاستقبال (فلا نسمّيها) أي تلك الخوارق (آيات) أي معجزات لأنها مختصّة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام (ولا كرامات) أي لاختصاصها بالأصفياء ، (ولكن نسمّيها قضاء حاجات لهم) أي للأعداء من الأغبياء أعمّ من الكفّار والفجار (وذلك) أي ما ذكر من أن خوارق العادات قد تكون للأعداء على وفق قضاء الحاجات (لأن الله تعالى) لعموم كرمه وجوده في عباده (يقضي حاجات أعدائه استدراجا) أي مكرّا بهم في الدنيا (وعقوبة لهم) في العقبى ، كما قال الله تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (١). أي سنستدنيهم وسنقرّبهم إلى العقوبة والنقمة والعذاب والهلاك قليلا قليلا بإكثار النعمة وإطالة المدة ليتوهموا أن ذلك تقريب من الله وإحسان ، وإنما هو تبعيد وخذلان ففي الحديث : إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب من النعمة وهو مقيم على المعصية ، فإنما ذلك استدراج ، ثم تلا هذه الآية : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) (٢). أي من أنواع النّعم استدراجا لهم وامتحانا لهم : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٣) أي متحيّرون آيسون من كل خير لأن العقوبة فجأة في حال النعمة أشد منها في العقوبة فتكون كثرة نعمتهم الصورية موجبة لنقمتهم الأخروية.
وأصل الاستدراج الاستصعاد والاستنزال درجة بعد درجة (فيغترّون به) أي من حيث يحسبونه إحسانا (ويزدادون طغيانا) أي إن كانوا فجّارا (وكفرا) أي إن كانوا كفّارا فأو للتنويع ، وفي نسخة : ويزدادون كفرا وطغيانا يعني كما وقع لفرعون حيث عاش في الدنيا أربعمائة سنة ، ولم ينكسر في مطبخه قصعة (وذلك كله جائز) أي وقوعه من الله أو ثابت نقلا (وممكن) أي عقلا كما في قضية إبليس ودعوته بقوله أنظرني إلى يوم يبعثون ، وإجابته بقوله سبحانه : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ
__________________
(١) الأعراف : ١٨٢.
(٢) الأنعام : ٤٤.
(٣) الأنعام : ٤٤.