____________________________________
قال (١) أبو علي الجوزجاني رحمهالله (٢) : كن طالبا للاستقامة لا طالبا للكرامة فإن نفسك متحرّكة في طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة ، قال الشيخ السهروردي رحمهالله في عوارفه (٣) : وهذا أصل كبير في اللباب فإن كثيرا من المجتهدين المتعبدين سمعوا سلف الصالحين المتقدمين وما منحوا [به] (٤) من الكرامات وخوارق العادات فنفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك ويحبون أن يرزقوا شيئا منه ، ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب متّهما لنفسه في صحة عمله حيث لم يحصل له خارق ، ولو علموا سرّ (٥) ذلك لهان عليهم الأمر فيعلم أن الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك بابا ، والحكمة فيه أن يزداد مما يرى من خوارق العادات وآثار (٦) القدرة يقينا فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا والخروج من دواعي الهوى فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة ، فهي كالكرامة. انتهى.
والحاصل أن كشف العلم بالأمور الشرعية خير من كشف العلم بالأمور الكونية مع أن عدم الأول ونقصانه مضرّة في الدين بخلاف عدم الثاني ، بل ربما يكون عدمه أنفع له ... ثم اعلم أنه قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله». ثم قرأ قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٧). أي المتفرّسين رواه الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري (٨) رضي الله عنه ، ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن الفراسة ثلاثة أنواع :
__________________
(١) الكلام من هنا إلى قوله فهي الكرامة مأخوذ من شرح الطحاوية ٢ / ٧٤٧ ـ ٧٤٨ وعوارف المعارف ص ٥٤.
(٢) رحمهالله : زيادة لا توجد في شرح الطحاوية وعوارف المعارف.
(٣) عوارف المعارف ص ٤٥.
(٤) سقط ما بين قوسين من الأصل واستدركناه من شرح الطحاوية وعوارف المعارف.
(٥) في عوارف المعارف : بسر.
(٦) في شرح الطحاوية : وأمارة.
(٧) الحجر : ٧٥.
(٨) أخرجه الترمذي ٣١٢٧ ، وابن جرير ١٤ / ٣٠ ، وفي سنده عطية العوفي ، وهو ضعيف.
وأخرجه الطبراني ٧٤٩٧ من طريق عبد الله بن صالح ، حدّثني معاوية بن صالح ، عن راشد بن سعد ، عن أبي أمامة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله». وعبد الله بن صالح ـ وهو كاتب الليث ـ سيئ الحفظ ، ومع ذلك فقد حسن الهيثمي إسناده في المجمع ١٠ / ٢٦٨ ، ولعله لشواهده. وفي الباب عن ابن عمر وثوبان عند ابن جرير ١٤ / ٣٢ ، وفي الأول فرات بن السائب وهو متروك ، وفي الثاني مؤمل بن سعيد الرحبي وهو منكر الحديث.
وعن أنس بن مالك عند البزار ٣٦٢٠ بلفظ : «إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسّم». وذكره الهيثمي ـ