نعرف الله تعالى حق معرفته كما وصف الله نفسه في كتابه بجميع صفاته ، ...
____________________________________
يعني أصله وهو التوحيد وما يتعلق به لكن الشرائع متنوعة لقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (١) (نعرف الله تعالى حق معرفته) أي لا باعتبار كنه ذاته وإحاطة صفاته ، بل بحسب مقدور العبد وطاقته في جميع حالاته (كما وصف) أي الله سبحانه (نفسه في كتابه بجميع صفاته) أي بذاته ، وفيه دليل على جواز إطلاق النفس على ذاته تعالى ، وأما إطلاق الذات فأكثر العلماء في العبارات جمعوا بين الذات والصفات ، وقد ورد تفكّروا في كل شيء ، ولا تفكّروا في ذات الله ، وأما ما ذكره السيوطي من أنه قد ورد إطلاق الذات عليه سبحانه في البخاري (٢) في قصة خبيب وهو قوله : وذلك في ذات الإله ففيه بحث من وجهين أما أولا فلأنه كلام صحابي ، وأما ثانيا فلأنه ليس نصّا في المدّعى ، بل الظاهر أنه أراد في سبيل الله ، وذلك لأن الكفّار لمّا خرجوا به من الحرم ليقتلوه قال : دعوني أصلّي ركعتين ، ثم أنشأ يقول :
فلست أبالي حين أقتل مسلما |
|
على أيّ شقّ كان في الله مصرعي |
وذلك في ذات الإله وإن يشأ |
|
يبارك على أوصال شلو ممزع (٣) |
أي : أعضاء جسد مقطع ، وأما إطلاق الحقيقة كما قال ابن السبكي (٤) في جمع الجوامع : حقيقته مخالفة لسائر الحقائق فأنكر عليه ابن الزملكاني (٥) حيث قال : يمتنع إطلاق لفظ الحقيقة على الله تعالى ، قال ابن جماعة (٦) : لأنه لم يرد في كتابه أي في
__________________
ـ بيني وبينه نبي وإنه نازل ، فإذا رأيتموه فاعرفوه ، فإنه مربوع إلى الحمرة والبياض ، سبط كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل ...» وهو في المسند ٢ / ٣١٩ وشرح السّنّة ٣٦١٩.
(١) المائدة : ٤٨.
(٢) أخرجه البخاري ٤٠٨٦ ، وأحمد ٢ / ٣١٠ ، وابن سعد ٢ / ٥٥ و ٥٦. وابن إسحاق ٢ / ١٦٩ ـ ١٨٣ ، والطبري ٣ / ٢٩ كلهم من حديث أبي هريرة.
(٣) انظر تمام قصة خبيب في زاد المعاد ٣ / ٢٤٣ ـ ٢٤٦ ؛ وابن كثير ٣ / ١٢٣ ، ١٣٤ ؛ وشرح المواهب ٢ / ٦٤ ، ٧٤ ؛ وسيرة ابن هشام ٢ / ١٦٩ ـ ١٨٣.
(٤) هو عبد الوهاب بن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي تاج الدين أبو النصر المصري الأديب الشافعي ، توفي سنة ٧٧١ ه. أشهر تصانيفه طبقات الشافعية وشرح منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي.
(٥) هو محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري أبو المعالي الدمشقي الشافعي المصري قاضي حلب المعروف بابن الزملكاني توفي سنة ٧٢٧ ه. وله من التصانيف البرهان في إعجاز القرآن.
(٦) هو بدر الدين محمد بن بدر الدين في جماعة الكناني المفتي المقدسي الحنفي توفي سنة ١١٨٧. ـ