وليس يقدر أحد أن يعبد الله تعالى حقّ عبادته كما هو أهل له ، ....
____________________________________
مواضع من آياته بجميع صفاته أي الثبوتية والسلبية كسورة الإخلاص وكقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١). وسائر الآيات الدالّة على تحقّق الذات ومراتب الصفات ، ولعل هذا الكلام من الإمام الهمام مبني على أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص في حقيقة الإيقان ، وإن الإيمان الإجمالي كاف في مرام الإحسان فللمؤمن أن يقول عرفته ، وأما قول من قال : ما عرفناك حق معرفتك فمبني على أن إدراك الذات ، والإحاطة بكنه الصفات ليس في قدرة المخلوقات لقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (٢) ، ولقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (٣) فاختلاف القضية بتفاوت الحيثية.
ومن هنا قال الإمام الشافعي رحمهالله تعالى : من انتهض لطلب مدبّره فانتهى إلى موجود ينتهي إلى فكره فهو مشبّه ، وإن اطمأن إلى العدم الصرف فهو معطّل ، وإن اطمأن إلى موجود فاعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحّد ، ومن ثم لمّا سئل عليّ رضي الله تعالى عنه عن التوحيد ما معناه؟ فقال : أن تعلم أن ما خطر ببالك ، أو توهمته في خيالك أو تصوّرته في حال من أحوالك فالله تعالى وراء ذلك.
ويرجع إلى هذا المعنى قول الجنيد رحمهالله تعالى : التوحيد إفراد القدم من الحدوث إذ لا يخطر ببالك إلا حادث ، فإفراد القدم أن لا تحكم على الله بمشابهة شيء من الموجودات في الذات ولا في الصفات بوجه من الوجوه فإنه لا تشبه ذاته ذات ، ولا صفاته صفات قال الله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) بل جاء من إطلاق العالم والقادر والموجود وغير ذلك على القديم والحادث فهو اشتراك لفظي فقط ، (وليس يقدر أحد أن يعبد الله تعالى حقّ عبادته كما هو أهل له) أي في استحقاق طاعته من حيث إن العبد عاجز عن مداومة ذكره ومواظبة شكره كما يشير إليه قوله تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٤). أي لا تطيقوا عدّها فضلا عن القيام بشكرها وصرفها إلى طاعة ربّها ، ولهذا المعنى قيل : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) (٥).
__________________
ـ وله من التصانيف الفتاوى البدرية وضوء المصباح في شرح نور الوضاح وغيرها.
(١) الشورى : ١١.
(٢) الأنعام : ١٠٣.
(٣) طه : ١١٠.
(٤) إبراهيم : ٣٤.
(٥) آل عمران : ١٠٢.