ولكنه يعبده بأمره كما أمر بكتابه وسنّة رسوله ...
____________________________________
منسوخ بقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١). لأن حق التقوى يعجز عنه الأصفياء ، كما فسّره سيد الأنبياء صلوات الله تعالى عليه وعليهم وسلامه بقوله : «هو أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى» (٢). والتحقيق أن المعرقة إذا تحقّقت استمر حكمها في جميع أحوال العبادة بخلاف العبادة ، فإنها تجب على العبد في كل لحظة ولمحة ، وهو عاجز عن استمرار هذه الحالة لضعف البشرية عن القيام بالعبودية ، كما تقتضيه الربوبية فلا أقل من أنه يقع منه الغفلة والغيبة عن الحضرة ، وهو كفر عند أرباب الحقيقة ، وأصحاب الطريقة (٣) ، وإن رفع عن العامّة على لسان صاحب الشريعة رحمة على الأمة من حيث إنه كاشف الغمّة.
وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذه التبصرة بقوله تعالى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (٤). فليس لأحد أن يقول : عبدت الله حق عبادته (ولكنه) أي الشأن (يعبده) أي عبده (بأمره كما أمر بكتابه وسنّة رسوله) أي وفق حكمه بوصف العجز عن أداء حقه ، ولهذا قال بعض العارفين : لو لا أمره سبحانه بقراءة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥). لما قرأته لعدم قيامي في مقام حقيقة الإخلاص في العبودية وتخصيص الاستعانة في العبادة وغيرها من الحضرة الربوبية (٦) ، ولعله عليه الصلاة والسلام في نحو هذا المقام قال : «لا
__________________
(١) المدّثر : ٥٦.
(٢) أخرجه ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير ١ / ٣٩٦ عن ابن مسعود مرفوعا والراجح وقفه. كذا أخرجه الحاكم ٢ / ٢٩٤ ، والطبراني ٨٥٠١ ، والطبري ٧٥٣٩ وصحّحه الحاكم على شرطهما وكرّره الطبري ٧٥٣٤ عن الثوري عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود موقوفا وتابع الثوري شعبه ٧٥٣٥ و ٧٥٣٦ وتابعهما الليث ٧٥٣٧ وتابعهما جرير على زبيد ٧٥٣٨ وتابعهم ٧٥٤٠ والمسعودي وتابعهم ٧٥٤١ منصور على زبيد فهؤلاء أئمة أثبات رووه كلهم موقوفا وهو الصواب ، وعلقه البغوي في تفسيره ١ / ٢٥٩ فقال : وقال ابن مسعود وابن عباس فذكره.
(٣) لا يوجد في الشريعة الإسلامية ومصادرها الأساسية ـ الكتاب والسّنّة ـ شيء يسمى أرباب الحقيقة ، وأصحاب الطريقة ولا توجد هذه التقسيمات البدعية إلا عند المتصوفة وهذه التسميات لا تجوز شرعا.
(٤) التغابن : ١٦.
(٥) الفاتحة : ٥.
(٦) هذا الكلام مردود على قائله ، وهو إن لم يكن استهانة بفاتحة الكتاب فهو إعراض عمّا أمر الله به ورسوله ومخالفة جريئة لأمر الله عزوجل. قال الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ١ / ٢٣ : «والعبادة في اللغة من الذلّة يقال طريق معبد وبعير معبد أي مذلّل. وفي الشرع عبارة عما يجمع ـ