ويستوي المؤمنون كلهم في المعرفة واليقين والتوكّل والمحبة والرضى والخوف والرجاء ...
____________________________________
أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (١) ، وكان عليه الصلاة والسلام يستغفر بعد فراغ العبادة إيماء إلى أنه مقصّر في أداء حق الطاعة ، كما يشير إليه قوله تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) (٢). ويتفرّع على هذا التحقيق قول الإمام الأعظم على وجه التدقيق (ويستوي المؤمنون كلهم في المعرفة) أي في نفسها (واليقين) أي في أمر الدين (والتوكّل) أي على الله تعالى دون غيره (والمحبة) أي لله ورسوله (والرضى) أي بالتقدير والقضاء (والخوف) أي من غضبه وعقوبته (والرجاء) أي لرضائه ومثوبته.
__________________
ـ كمال المحبة والخضوع والخوف. وقدّم المفعول وهو إياك وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة ، والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين ، وهذا كما قال بعض السلف : الفاتحة سرّ القرآن ، وسرّها هذه الكلمة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فالأول تبرؤ من الشرك ، والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عزوجل. وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) ، (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) ، وكذلك هذه الآية الكريمة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ... ثم قال : وفي ذلك دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثّناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ولهذا لا تصحّ صلاة من لم يقل ذلك وهو قادر عليه كما جاء في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». ا. ه. وانظر بقية كلامه هناك.
(١) هو بعض حديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف ١٠ / ١٩١ ، ومن طريقه مسلم ٤٨٦ ، وابن ماجة ٣٨٤١ عن أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن عائشة قالت : «فقدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة في الفراش فالتمسته ، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول : «اللهمّ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». وأخرجه أبو داود ٨٧٩ ، وأحمد ٦ / ٨ و ٢٠١ ، والنسائي ١ / ١٠٢ ـ ١٠٣ من طريقين عن عبيد الله بن عمر به.
وأخرجه مالك ١ / ٢١٤ ، ومن طريقه الترمذي ٣٤٩٣ ، والبغوي ١٣٦٦ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عائشة أم المؤمنين قالت ... قال ابن عبد البر فيما نقله الزرقاني عنه ٢ / ٣٧ : لم يختلف عن مالك إرساله وهو مسند من حديث الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة ، ومن حديث عروة عن عائشة من طرق صحاح ، وانظر جامع التحصيل ص ٣٢٠ ـ ٣٢١ للعلائي.
وأخرجه أبو داود ١٤٢٧ ، والترمذي ٣٥٦٦ ، والنسائي ٣ / ٢٤٨ و ٢٤٩ ، وابن ماجة ١١٧٩ ، وأحمد ١ / ٩٦ و ١١٨ و ١٥٠ كلهم من حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقول في آخر وتره : «اللهمّ إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك». وإسناده قوي.
(٢) عبس : ٢٣.