____________________________________
اعلم أنه يجب على العبد أن يكون خائفا راجيا لقوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) (١) ، وقوله تعالى : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) (٢). والتحقيق أن الرجاء يستلزم الخوف ، ولو لا ذلك لكان أمنا والخوف يستلزم الرجاء ، ولو لا ذلك لكان قنوطا ويأسا ، فالخوف المحمود الصادق ما حال بين صاحبه وبين محارم الله سبحانه ، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط والرجاء المحمود رجاء عمل بطاعة الله تعالى على نور من ربّه ، فهو راج لمثوبته ، أو رجل أذنب ذنبا ، ثم تاب منه إلى الله فهو راج لمغفرته.
أما إذا كان الرجل متماديا في التفريط والخطايا ويرجو رحمة الله تعالى بلا عمل ، فهذا هو الغرور والتمنّي والرجاء الكاذب.
قال أبو علي الروذباري (٣) رحمهالله الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير ، وتمّ طيرانه ، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص ، وإذا ذهبا صار الطائر في حدّ الموت (٤) ، وهذا الذي ذكره الشيخ موافق لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لو نودي في المحشر أن واحدا يدخل الجنة لأرجو أن أكون أنا ، وإن قيل : إن واحدا يدخل النار أخاف أن أكون أنا ، وقال بعضهم : ينبغي أن يكون الرجاء غالبا للحديث القدسي ، «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء» (٥).
وقال بعضهم : الأولى أن يكون الخوف غالبا عند الشباب والصحة والرجاء حال الكبر والمرض لقوله عليه الصلاة والسلام قبل موته بثلاث : «لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظنّ بربه» (٦) ، وهذا وكل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله تعالى فإنك إذا خفته
__________________
(١) الزّمر : ٩.
(٢) السجدة : ١٦.
(٣) ترجمة الخطيب في تاريخه ١ / ٣٢٩ ـ ٣٣٣ ، فقال : محمد بن أحمد بن القاسم ، أبو علي الروذباري من كبار الصوفية ، سكن مصر ، وكان من أهل الفضل والفهم ، وله تصانيف حسان في التصوّف ، نقلت عنه ، وأنشد له من نظمه أبيات ، وقال : توفي سنة ٣٢٢ ه.
(٤) وكلام أبو علي الروذباري هنا مأخوذ من شرح الطحاوية ٢ / ٤٥٦ ـ ٤٥٧.
(٥) أخرجه بهذا اللفظ أحمد ٣ / ٤٩١ و ٤ / ١٠٦ وصحّحه ابن حبان ٢٤٦٨ من حديث واثلة بن الأسقع.
(٦) أخرجه مسلم ٢٨٧٧ ، وأبو داود ٣١١٣ ، وابن ماجة ٤١٦٧ ، وأحمد ٣ / ٢٩٣ و ٣٢٥ و ٣٣٠ و ٣٩٠ ، والطيالسي ١٧٧٩ ، والخطيب ١٤ / ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، وأبو نعيم في الحلية ٥ / ٨٧ و ٨ / ١٢١ ـ