____________________________________
والحاصل أن الأمة قد اتفقت على أنه تعالى لا يراه أحد في الدنيا بعينه ، ولم يتنازعوا في ذلك إلا لنبيّنا صلىاللهعليهوسلم حال عروجه على ما صرّح به في شرح عقيدة الطحاوي (١) ، ثم هذا القائل إن قبل التأويل السابق فيها فبها وإلّا فإن كان مصمّما على مقوله ولم يرجع بالمنقول عن معقوله فيجب تعزيره وتشهيره بما يراه الحاكم الشرعي كما يقتضيه تقريره ، فإنه لا يخلو من أن يدّعي ادّعاء مطلقا في بيانه أو منزّها عن كل ما لا يليق بجلاله سبحانه ، فيكون ممّن افترى على الله كذبا وهو من أكبر الكبائر ، بل عدّ بعض العلماء الكذب على النبي صلىاللهعليهوسلم كفرا ، فمن أظلم ممّن كذب على الله أو ادّعى ادّعاء معينا مشتملا على إثبات المكان والهيئة والجهة من مقابلة وثبوت مسافة وأمثال تلك الحالة ، فيصير كافرا لا محالة ، وهذا مجمل مقال بعض أرباب العقائد المنظومة :
ومن قال في الدنيا يراه بعينه |
|
فذلك زنديق طغا وتمرّدا |
وخالف كتب الله والرّسل كلها |
|
وزاغ عن الشرع الشريف وأبعدا |
وذلك مما قال فيه إلهنا |
|
يرى وجهه يوم القيامة أسودا |
إشارة إلى قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) (٢). وقد نقل جماعة الإجماع على أن رؤية الله تعالى لا تحصل للأولياء في الدنيا ، وقد قال ابن صلاح وأبو شامة (٣) : إنه لا يصدق مدّعي الرؤية في الدنيا حال اليقظة فإنها شيء منع منه كليم الله موسى عليهالسلام ، واختلف في حصول هذا المرام لنبيّنا صلىاللهعليهوسلم في ذلك المقام ، فكيف يسمع لمن لم يصل إلى مقامهما ، وقال الكواشي (٤) في تفسير سورة النجم ومعتقد رؤية الله تعالى هنا بالعين لغير محمد صلىاللهعليهوسلم غير مسلم وقال الأردبيلي (٥) في كتابه الأنوار : ولو قال إني أرى الله تعالى عيانا في
__________________
(١) ١ / ٢٧٥.
(٢) الزّمر : ٦٠.
(٣) هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان العلّامة ذو الفنون شهاب الدين أبو القاسم المقدسي ثم الدمشقي الشافعي المشهور بأبي شامة. توفي سنة ٦٦٥ ه. من مصنفاته الباعث على إنكار البدع والحوادث وغيرها.
(٤) هو أحمد يوسف الكواشي أبو العباس موفّق الدين الضرير الموصلي الشافعي المتوفى سنة ٦٨٠ ه. له من المصنفات تبصرة المتذكّر وتذكرة المتبصّر في تفسير القرآن وغيرها.
(٥) هو جمال الدين محمد بن شمس الدين عبد الغني الأردبيلي المتوفى سنة ٨٨٦ ه. له شرح ـ