____________________________________
أن الدعاء يكون مشروعا نافعا في بعض الأشياء وإن كان الكل تحت التقدير والقضاء.
ثم اعلم أن الروح محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة ، وهذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام أن العالم محدث ومضى على هذا الصحاب والتابعون حتى نبغت نابغة ممّن قصر فهمه في الكتاب والسّنّ فزعم أنها قديمة ، واحتجّ بأنها روح من أمر الله تعالى ، وأمره غير مخلوق وبأن الله تعالى أضافها إليه بقوله : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (١). وبقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (٢). كما أضاف إليه علمه وقدرته وسمعته وبصره ويده وتوقف آخرون واتفق أهل السّنّة والجماعة على أنها مخلوقة ، وممّن نقل الإجماع على ذلك محمد بن نصر المروزي وابن قتيبة وغيرهما (٣) رحمهمالله ، واختلف الناس هل تموت الروح أم لا ، فقالت طائفة : تموت لأنها نفس ، وكل نفس ذائقة الموت ، وقال آخرون : لا تموت فإنها خلقت للبقاء وإنما تموت الأبدان ، وقد دلّ على ذلك الأحاديث الواردة في نعيم الأرواح وعذابها بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها.
ثم اعلم أن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلّق متغايرة الأحكام ، الأول : تعلقها به في بطن الأم جنينا ، والثاني : تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض ، والثالث : تعلّقها به في حال النوم فلها به تعلّق من وجه ومفارقة من وجه. والرابع : تعلقها به في البرزخ فإنها وإن فارقته وتجرّدت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليّا بحيث لا يبقى لها إليه التفات البتّة فإنه ورد ردّها إليه وقت سلام المسلم (٤) عليه ، وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه (٥) وهذا الرد إعادة خاصة لا توجب حياة البدن قبل يوم القيامة. والخامس : تعلقها به يوم بعث الأجساد وهو أكمل أنواع تعلّقها [بالبدن ولا نسبة لما قبله
__________________
(١) الإسراء : ٨٥.
(٢) الحجر : ٢٩.
(٣) الكلام من قوله ثم اعلم أن الروح إلى هنا منقول من شرح الطحاوية ٢ / ٥٦٣.
(٤) أخرج أبو داود ٢٠٤١ من طريق أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من أحد يسلّم عليّ إلّا ردّ الله روحي حتى أردّ عليهالسلام».
وصحّحه النووي في «رياض الصالحين» و «الأذكار» وقال الحافظ فيما نقله عنه ابن علان ٣ / ٣١٦ : إنه حديث غريب أخرجه أحمد وأبو داود ورجاله رجال الصحيح إلا أبا صخر فأخرج له مسلم وحده ، وقد اختلف فيه قول ابن معين ثم في ابن قسيط فقال ، توقف فيه مالك ، فقال في حديث آخر من روايته خارج الموطأ ووصله ليس بذاك وانفراده بهذا عن أبي هريرة يمنع من الجزم بصحته.
(٥) ورد ذلك من حديث أنس بن مالك الذي أخرجه البخاري ١٣٣٨ و ١٣٤٦ ، ومسلم ٢٨٧٠.