____________________________________
ولهذا عبّر الشّارع بالإيمان عن الإسلام تارة وبالإسلام عن الإيمان أخرى كما في قوله عليه الصلاة والسلام لقوم وفدوا عليه : أتدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال عليه الصلاة والسلام شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأن محمدا رسول الله أي عبده ورسوله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان (١) ، وفي قوله عليه الصلاة والسلام : «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول : لا إله إلّا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق الحديث» (٢). وروي لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة (٣).
ومنها : أن العقل آلة للمعرفة ، والموجب هو الله تعالى في الحقيقة ، ووجوب الإيمان بالعقل مروي عن أبي حنيفة رحمهالله ، فقد ذكر الحاكم الشهيد في المنتقى (٤) أن أبا حنيفة رحمهالله قال : لا عذر لأحد في الجهل بخالقه لما يرى من خلق السموات والأرض وخلق نفسه وغيره ، ويؤيده قوله تعالى : (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٥). وقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٦). وحديث : «كل مولود يولد على فطرة الإسلام فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» (٧). قال : وعليه مشايخنا من أهل السّنّة والجماعة حتى قال الشيخ الإمام أبو منصور الماتريدي في الصبي العاقل : إنه تجب عليه معرفة الله تعالى ، وهو قول كثير من مشايخ العراق خلافا لكثير من مشايخنا لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : «رفع القلم عن
__________________
(١) أخرجه البخاري ٥٢٣ و ١٣٩٨ ، ومسلم ١٧ ح ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ ، وابن أبي شيبة ١١ / ٦ و ١٢ / ٢٠٢ ، وأبو داود ٤٦٧٧ ، والترمذي ١٥٩٩ ، والنسائي ٨ / ١٢٠ و ٣٢٣ ، وأحمد ١ / ٢٢٨ ، وابن خزيمة ٣٠٧ ، وابن حبان ١٥٧ ، والطبراني ١٢٩٥٠. كلهم من حديث ابن عباس.
(٢) أخرجه مسلم ٣٥ ح ٥٨ ، وأبو داود ٤٦٧٦ ، والنسائي ٨ / ١١٠ ، وابن ماجة ٥٧ ، وابن أبي شيبة ١١ / ٤٠ ، وأحمد ٢ / ٤١٤ ، والبغوي في شرح السّنّة ١٧ ، والآجري في الشريعة ١١٠ ، وابن حبّان ١٦٦ ، وابن مندة ١٤٧ ، والطيالسي ٢٤٠٢ كلهم من حديث أبي هريرة.
(٣) هو بعض حديث أخرجه البخاري ٦٥٢٨ ، ومسلم ٢٢١ ، ح ٣٧٧ ، والترمذي ٢٥٤٧ ، وابن ماجة ٤٢٨٣ ، والطيالسي ٣٢٤ ، وأحمد ١ / ٣٨٦ و ٤٣٧ ، وابن حبان ٧٢٤٥ ، والطحاوي في المشكل ٣٦١ ، وأبو يعلى ٥٣٨٦ ، والطبري في تفسيره ١٧ / ١١٢ كلهم من حديث عبد الله بن مسعود.
(٤) المنتقى : لمحمد بن محمد الشهير بالحاكم الشهيد البلخي صنّف المنتقى والكافي وهما أصلان من أصول المذهب الحنفي بعد كتاب محمد. توفي سنة ٣٤٤ ه.
(٥) إبراهيم : ١٠.
(٦) الزّمر : ٣٨.
(٧) تقدّم تخريجه فيما سبق.