والمشقة فيها ، لذلك كانت خالدة خلود الدهر ، لا تبديل فيها ، ولا تحريف إلى أن تقوم الساعة ، فكانت رحمة للعالمين ، وعامة للناس أجمعين ، وصدق الله حيث يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١) هذا ولما كان علم التوحيد ، ويسمى علم التوحيد ، ويسمى علم الكلام ، له هذه المنزلة العظيمة في تأصيل هذه العقيدة ، والدفاع عنها ، عني المتكلمون قديما وحديثا بالتأليف فيه ، وتباروا في ذلك ، فمنهم المقتصد ، ومنهم المتعمق ، ومنهم المتوسط. وكان من أشهر الكتب المتعمقة والمشتملة على الأمور العامة التي يحتاج إليها المستدل على حدوث العالم ، ومنه على وجود الصانع. كتاب (المطالب العالية) للفخر الرازي ، (والعقائد النسفية) للنسفي وكتاب (المواقف) للإيجي شيخ سعد التفتازاني ، وكتاب (طوالع الأنوار) للبيضاوي وكتاب (المقاصد) للعلامة السعد التفتازاني ، وهو كتاب جامع يحتاج إليه كل باحث ، لما حواه من المباحث والنظريات العقلية ، وقد تدارك فيه ما فات من كتب من سبقه خاصة كتاب (المواقف) ، و (المطالب العالية) ، وهو وإن كان صعب المنال لدقة أسلوبه ، وتعمق في أبحاثه ، إلا أنه ألف في عصر نضجت فيه العقول ، واتسعت مداركها ، حتى كانوا لا يقبلون إلا على ما فيه عمق في التفكير والنظر. هذا كان دأب المؤلفين في هذا العصر ، وشأن تلاميذتهم ، فأقدرهم علما ، أعقدهم كتابة. وفي الحق إن الإنسان إذا استسهل الصعب ، وفكر فيه ونظر ، ثم أشحذ ذهنه في المحصل من وراء ذلك على فهم ما دقّ من المسائل ، رسخ ذلك في عقله ، وربى عنده ملكة قوية ، يفهم بها كل ما دقّ فهمه ، ولا كذلك الذي يجري وراء السهل من الكتب ، فإنه لا تكون له هذه الملكة ، ولا تبرز له شخصية يتميز بها عن غيره في الفهم والتحصيل.
ولقد كان كتاب المقاصد من أعقد العقد ، حتى تبارى الباحثون في فهمه ، فكثرت شراحه ليقربوه إلى الأفهام ، وكان هذا الكتاب يدرس في الأزهر هو وغيره من الكتب المطولة العميقة ، حينما كان هناك علماء ، لا يشغل بالهم إلا
__________________
(١) سورة المائدة آية رقم ٣