جميل في نفس السامع ، أما النظريات العقلية التي تحتاج إلى فكر وتأمل. وأما الأدلة والاعتراض عليها منعا ونقضا ، وأخذا وردا ، فالأديب والشاعر بعيد عن كل ذلك.
غير أني خاب ظني ، وظهر لي أنه ظن خاطئ ، لأني حينما راجعت هذا التحقيق ، اتضح لي أن المحقق متكلم أكثر منه شاعرا وأديبا ، في فهم النظريات العقلية ، وفي نظم الأدلة ، وفي فهم ما يحققه على الرغم من صعوبته ، كما تبين لي أنه عميق في تفكيره ، يغوص البحار ، ويطوي القفار ، يستسهل الصعب ، صابرا مجدا ، ساهرا منقبا ، مضطلعا على المراجع الكثيرة ، ليصل بذلك إلى ما يؤمله ويرجوه. لذلك كله أكبرت فيه هذا العمل الضخم الأشم ، وحق لي أن أفخر ببنوته ، وتلمذته ، والإنسان بجبلته لا يحب أن يساويه أحد ، أو يفوقه ، غير الأب مع ابنه ، والأستاذ مع تلامذته ، فإنه يحب لهم أكثر ما يحب لنفسه ، ولهذا يقول الشاعر :
قالوا أبا الصقر من شيبان قلت لهم |
|
كلا لعمري منه شيبان |
فكم أب بابن علا شرفا |
|
كما علت برسول الله عدنان |
وبالاطلاع على منهج المحقق في تحقيقه لهذا الكتاب ، يتضح لنا أيضا شخصيته الفذة ، ومدى ما عاناه من جهد وفكر ، وبعد نظر ، حتى جاء التحقيق وافيا للغرض يستفيد منه كل باحث ، فإنه بعد أن عرف سعد الدين ، ومكانته العلمية التي جعلت منه إماما في المعقول والمنقول ، وحافظا على كتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وداحضا لشبه الملحدين والمارقين بالحجة والبرهان ، وبمثل السلاح الذي تسلح به هؤلاء ، سلاح المنطق والعقل ، وبعد أن بين ما احتواه الكتاب من مقاصده الست ، وفصول كل مقصد ، بعد هذا شرع يبين الخطة التي سار عليها في هذا التحقيق ، فبين أنه عثر على خمس نسخ مخطوطة ، رمز إلى كل واحدة منها بحرف ، ثم وازن بين هذه النسخ ، ورجح ما اختاره منها للاعتماد عليها مع بيان سبب الترجيح ، ثم عني بتنقية النص من الأخطاء النحوية ، وقد رأى أن كثيرا من المباحث والفصول لم يكن لها عنوان ، فوضع المحقق العنوان