بقدر الاستعداد عند اتصالها به ، وزعموا أن اللوح المحفوظ ، والكتاب المبين ، في لسان الشرع عبارتان عنه ، وهاهنا مذهب آخر اختاره الإمام الرازي ، وذكر حجة الإسلام الغزالي: أنه المذهب عند أكثر أصحابنا ، وهو أن النظر يستلزم العلم بالنتيجة بطريق الوجوب ، الذي لا بد منه لكن لا بطريق التوليد ، على ما هو رأي المعتزلة وهذا ما نقل عن القاضي أبي بكر (١) وإمام الحرمين (٢) أن النظر يستلزم العلم بطريق الوجوب ، من غير أن يكون النظر علة أو مولدا ، أو صرح بذكر الوجوب ، لئلا يحمل الاستلزام على الاستعقاب العادي ، فيصير هذا هو المذهب الأول ، وقد صرح الإمام الغزالي ، بأن هذا مذهب أكثر أصحابنا والأول مذهب بعضهم ، واستدل الإمام الرازي على الوجوب بأن من علم أن العالم متغير وكل متغير ممكن فمع حضور هذين العلمين في الذهن يمتنع أن لا يعلم أن العالم ممكن ، والعلم بهذا الامتناع ضروري ، وكذا في جميع اللوازم مع الملزومات ، وعلى بطلان التوليد بأن العلم في نفسه ممكن فيكون مقدور لله تعالى ، فيمتنع وقوعه بغير قدرته ، فتوجه اعتراض المواقف بأنه لما كان فعل القادر امتنع أن يكون واجبا ، فإنه الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك ، من غير وجوب عليه أو عنه.
لا يقال المراد الوجوب بالاختيار على ما سيجيء لأنا نقول فحينئذ يجوز أن لا يقع بأن لا تتعلق به القدرة والاختيار ويكون هذا هو المذهب الأول بعينه.
والجواب : أن وجوب الأثر كالعلم مثلا بمعنى امتناع انفكاكه عن أثر آخر كالنظر لا ينافي في كونه أثرا لمختار جائز الفعل والترك ، بأن لا يخلقه ولا
__________________
(١) هو : الطيب الباقلاني.
(٢) هو : الإمام الجويني وعبارته في الإرشاد : النظر الصحيح إذا تم على سداده ولم تعقبه آفة في العلم حصل العلم بالمنظور فيه على الاتصال بتصرم النظر ، ولا يتأتى من الناظر جهل بالمدلول عقيب النظر ، مع ذكره له ، ولا يولد النظر العلم ، ولا يوجبه إيجاب العلة معلوها».
(الإرشاد ص ٦).