التصور منتف في الحقائق الإلهية ـ قلنا ممنوع. السادس : لو صح الاستدلال على الصانع (١) بدليل فموجبه ؛ إما ثبوت الصانع فيلزم انتفاؤه على تقدير انتفائه ، وإما العلم به فلا يكون دليلا عند عدم النظر فيه ، قلنا : لا نعني بإفادته ودلالته إلا كونه بحيث متى وجد ، وجد المدلول ، ومتى نظر فيه علم المدلول فلا يلزم من انتفائه انتفاؤه ، ولا من عدم النظر فيه انتفاء الحيثية ، وأورد على الكل أن العلم بأن النظر لا يفيد العلم إن كان نظريا استفيد منها فيناقض ، وإن كان ضروريا نبه عليه لم يقع فيه خلاف أكثر العقلاء.
فإن قيل : عارضنا الفاسد بالفاسد قلنا : إن أفادت الفساد ثبت المطلوب وإلا لغت.
وإنما لم نورد الشبهة السابقة في ضمن الوجوه لأنها لنفي أن يكون التصديق الحاصل عقيب النظر علما : مطلقا أو في الطبيعيات والإلهيات : أو في الإلهيات خاصة على ما ذكره الإمام من أنه لا نزاع في إفادة النظر الظن وإنما النزاع في إفادته اليقين الكامل ، وينبغي ألا تكون العدديات محل الخلاف ، والشبهة السابقة تنفي كون النظر مفيدا للتصديق مطلقا.
الوجه الأول : أن العلم بان الاعتقاد الحاصل عقيب النظر علم إن كان ضروريا لم يظهر ، أي لم يقع عقيب النظر خلاف ذلك ، أو لم يظهر بعد هذا خلاف ذلك ، لامتناع أن يقع أو يظهر خلاف الضروري ، واللازم باطل ، لأن كثيرا من الناس لا يحصل عقيب نظرهم إلا الجهل ، وكثيرا ما ينكشف للناظر خلاف ما حصل من نظره ويظهر خطؤه ، ولذلك تنتقل المذاهب ، وإن كان نظريا افتقر إلى نظر آخر يفيد العلم بأنه علم ويتسلسل. ورد بأنا نختار أنه ضروري ، ولا نسلم ظهور الخلاف من هذا النظر أو بعده إذ الكلام في النظر الصحيح ، ولازم الحق حق قطعا ، أو نختار أنه نظري ولا نسلم افتقاره إلى نظر آخر ، فإن النظر الصحيح
__________________
(١) أصل هذا اللفظ في اليونانية. وهو مركب من (ديميوس) الجمهور (وارغون) والعمل. غ ومعناه : العامل في سبيل الجمهور. أو الصانع الذي يمارس مهنة يدوية. وقد أطلق (أفلاطون) هذا اللفظ في كتاب (طيماوس) على صانع العالم ، أي على الله. وفرق بين الصانع الأعلى أي الإله الذي خلق نفس العالم. وبين الثواني التي خلقها بنفسه وفوض إليها خلق الموجودات الفانية.
قال أفلاطون : هناك أشياء لا ينبغي للإنسان أن يجهلها. منها أن له صانعا ، وأن صانعه يعلم أفعاله.