قال حجة الإسلام (١) : لما كان جهة الدلالة في القياس هو التفطن لوجود النتيجة بالقوة في المقدمة ، أشكل على الضعفاء فلم يعرفوا أن وجه الدلالة عين المدلول أو غيره ، والحق أن المطلوب هو المدلول المنتج ، وأنه غير التفطن لوجوده في المقدمة بالقوة.
وبالجملة : فالمشهور من الاختلاف في هذا البحث هو الاختلاف في مغايرة جهة الدلالة للمدلول ، فيتفرع عليه الاختلاف في تغاير العلم بهما على ما قال الإمام الرازي وغيره ، أن العلم بوجه دلالة الدليل هل يغاير العلم بالمدلول ..؟ فيه خلاف (٢) والحق المغايرة. لتغاير المدلول : ووجه الدلالة. وأما ما ذكر في المواقف من أن الخلاف في أن العلم بدلالة الدليل هل يغاير العلم بالمدلول وفي أن وجه الدلالة هل يغاير الدليل ..؟ فلم يوجد في الكتب المشهورة. إلا أن الإمام ذكر في بيان مغايرة العلم بوجه الدلالة للعلم بالمدلول أن هاهنا أمورا ثلاثة : هي العلم بذات الدليل كالعلم بإمكان العالم ، والعلم بذات المدلول ، كالعلم بأنه لا بد له من مؤثر ، والعلم بكون الدليل دليلا على المدلول ولا خفاء في تغاير الأولين وكذا في مغايرة الثالث لهما ، لكونه علما بإضافة بين الدليل والمدلول مغايرة لهما ، وهذا الكلام ربما يوهم خلافا في مغايرة العلم بدلالة الدليل للعلم بالمدلول ، حيث احتيج إلى البيان وجعل العلم بإمكان العالم مع أنه وجه الدلالة مثالا للعلم بذات الدليل يوهم القول بأن وجه الدلالة نفس الدليل ، وفي نقد المحصل (٣) ما يشعر بالخلاف في وجوب مغايرته للدليل والمدلول ، لأنه قال : إن هذه المسألة إنما تجري بين المتكلمين عند استدلالهم بوجود ما سوى الله تعالى على وجوده تعالى ، فيقولون : لا يجوز أن يكون وجه دلالة وجود ما سوى الله تعالى على وجوده مغايرا لهما لأن المغاير لوجوده تعالى داخل في وجود ما سواه ، والمغاير لوجود ما سواه هو وجوده فقط.
__________________
(١) يقصد به الإمام محمد بن محمد الغزالي.
(٢) ما بين القوسين سقط من (أ).
(٣) كتاب المحصل : للإمام فخر الدين الرازي ، وانتقده نصير الدين الطوسي وقال في مقدمته : وفيه من الغث والسمين ما لا يحصى.