الإطلاق ، سواء كان في المعارف الإلهية أو غيرها وسواء كان معه معلم أو لا وأما إمكان تحصيل المقدمات الضرورية وترتيبها على الوجه المنتج لأنه صناعة المنطق فمعلوم بالضرورة.
الثاني : أن نظر المعلم أيضا لكونه نظر إلى معرفة (١) الله تعالى يحتاج إلى معرفة معلم آخر ويتسلسل ، إلا أن يحض الاحتياج إلى المعلم بغير المعلم ، ويجعل نظر المعلم كافيا لكونه مخصوصا بتأييد إلهي ، أو تنتهي سلسلة التعليم إلى المعلم المستند علمه إلى النبي عليه الصلاة والسلام (٢) المستند إلى الوحي.
الثالث : أن إرشاد المعلم لا يفيدنا إلا بغد العلم بصدقه ، وصدقه إما أن يعلم بالنظر فيكون النظر كافيا في المعرفة ، حيث أفاد صدق المعلم المفيد للمعرفة (٣) وإما أن يعلم بقول ذلك المعلم فيدور ، لأن قوله أي إخباره عن كونه صادقا لا يفيد كونه كذلك إلا بعد العلم بأنه صادق البتة ، وإما بقول معلم آخر وهكذا إلى أن يتسلسل ، وقد يجاب بأنا لا نجعل المعلم مستقلا بإفادة المعرفة ليلزمنا العلم بكونه صادقا لا يكذب البتة بل نجعل المفيد هو النظر المقرون بإرشاد منه إلى الأدلة ودفع الشبهة ، لكون عقولنا قاصرة عن الاستدلال بذلك (٤) مفتقرة إلى إمام يعلمنا الأدلة ودفع الشبه ليحصل لنا بواسطة تعليمه وقوة عقولنا معرفة الحقائق الإلهية التي من جملتها كونه إماما يستحق الإرشاد والتعليم ثم لا يخفى أن ما ذكر من الوجوه بتقدير تمامها إنما يراد الاحتياج إلى المعلم في حصول المعرفة ، وأما لو أرادوا الاحتياج إليه في حصول النجاة بمعنى أن
__________________
(١) في (ب) لفظ (في) بدلا من (إلى).
(٢) سقط من (ب) (إلى النبي عليه الصلاة والسلام).
(٣) المعرفة : إدراك الأشياء وتصورها. ولها عند القدماء عدة معان : منها إدراك الأشياء بإحدى الحواس ، ومنها العلم مطلقا تصورا كان أو تصديقا ، ومنها إدراك البسيط سواء كان تصورا للماهية أو تصديقا بأحوالها.
وفرقوا بين المعرفة والعلم : فقالوا إن المعرفة إدراك الجزئي ، والعلم إدراك الكلي. وأن المعرفة تستعمل في التصورات والعلم في التصديقات.
(٤) في (ب) الاستقلال.