فالفكرة يهودية الأصل ، وممن روج لها بشر المريسي ، وأبوه يهودي صباغ بالكوفة.
ولما عرف الرشيد قوله حلف أن يقتله ، فاختفى طول عهده ، ليظهر بعد ذلك في بلاط المأمون (١).
من هنا نرى أن علم الكلام غريبا عن البيئة الإسلامية ، وقد وفد إليها من خلف السدود والحدود ، وكان هذا بداية للغزو الفكري المنظم الذي شنت جيوشه غاراتها بانتظام على هذه الأمة ، فأصابت منها مقاتل ، ولكنها لم تجهز عليها.
ومصداقا لما نقول : ما يرويه المؤرخون من أن كتابا ألفه يحيى الدمشقي في القرن الأول للهجرة ، وكان هو (وتيودور) أبو قرة يناقشان المسلمين في الدين. وفي هذا الكتاب يدرب النصارى على زعزعة عقائد المسلمين بقوله : إذا قال لك العربي ما تقول في المسيح ..؟
فقل : إنه كلمة الله ، ثم ليسأل النصراني المسلم بم سمي المسيح في القرآن ..؟ وليرفض أن يتكلم بشيء حتى يجيب المسلم ، فإنه سيضطر إلى أن يقول : كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه ، فإن أجاب بذلك فاسأله : هل كلمة الله وروحه مخلوق ، أو غير مخلوق؟
فإذا قال : مخلوق ، فليرد عليه بأن الله إذن كان ولم يكن له كلمة ولا روح فإن قلت ذلك ، فسيفحم العربي ، لأن من يرى هذا الرأي زنديق في نظر المسلمين وبمثل هذا ظهر الخلاف المدمر ، وتعكر الصفو ، وتفرق الشمل وتعددت الفرق ، وتباينت الأقوال. (٢)
وابن الجوزي في كتابه (تلبيس إبليس) يصور لنا ما حدث في الجماعة
__________________
(١) راجع تلبيس إبليس لابن الجوزي عند فصل النهي عن الخوض في علم الكلام.
(٢) راجع الإمام أحمد بن حنبل : للأستاذ عبد الحليم الجندي ص ٤٠٦ بتصرف.