إشارة إلى دليل آخر للإمام لا يندفع بما ذكر : تقريره. أن الوجود طبيعة نوعية لما بينتم من كونه مفهوما واحدا مشتركا بين الكل ، والطبيعة النوعية لا تختلف لوازمها بل يجب لكل فرد منها ما يجب للآخر ، لامتناع تخلف المقتضى عن المقتضى ، وعلى هذا بنيتم كثيرا من القواعد كما سيأتي. فالوجود إن اقتضى العروض أو اللاعروض لم يختلف ذلك في الواجب والممكن ، وإن لم يقتض شيئا منهما ما احتاج الواجب في وجوبه (١) إلى منفصل كما سبق.
والجواب : أنما لا نسلم أنه طبيعة نوعية ، ومجرد اتحاد المفهوم لا يوجب ذلك لجواز أن يصدق مفهوم واحد على أشياء مختلفة الحقيقة واللوازم ، كالنور يصدق على نور الشمس وغيره ، مع أنه يقتضي إبصار الأعشى (٢) بخلاف سائر الأنوار ، فيجوز أن تكون الوجودات الخاصة متخالفة بالحقيقة يجب للوجود الواجب التجرد ويمتنع عليه المقارنة ، والممكن بالعكس مع اشتراك الكل في صدق مفهوم الوجود المطلق عليها صدق العرضي اللازم على معروضاته الملزومة ، كالنور على الأنوار ، لا يصدق الذاتي بمعنى تمام الحقيقة ، ليكون طبيعة نوعية ، كالإنسان لأفراده أو بمعنى جزء الماهية ، ليلزم التركب كالحيوان لأنواعه.
(قال : متواطئا أو مشككا وهو الحق لكونه في الواجب أولى وأشد وأقدم).
إشارة إلى أن الجواب يتم بما ذكرنا من المنع مستندا بأنه يجوز اشتراك الملزومات المختلفة الحقائق في لازم واحد غير ذاتي ، سواء كانت مقوليته عليها بالتواطؤ كالماهية على الماهيات ، والتشخص على التشخيصات ، أو بالتشكيك
__________________
(١) في (ب) وجوده بدلا من (وجوبه).
(٢) الأعشى هو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والمرأة عشواء. وأعشاء الله فعشي بالكسر يعيش عشيا. والعشواء الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيدها كل شيء وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة فلان خابط خبط عشواء. وعش أعرض عنه. ومنه قوله تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) وفسر بعضهم الآية بضعف البصر.
(راجع مختار الصحاح مادة ع ش أ).