ولم يكتف أبو حامد بهذا الكلام ، بل يقدم الدليل على صدق ما يقول ، ويتجه إلى صدر الإسلام حيث الرسول صلىاللهعليهوسلم ومجالس الصحابة ، فيقول : جاء أعرابي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم جاحدا به منكرا ، فما وقع بصره على وجهه الكريم إلا ورآه يتلألأ بأنوار النبوة. قال : ـ
«والله ما هذا بوجه كاذب».
وسأله أن يعرض عليه الإسلام فأسلم.
وجاء آخر إليه عليه الصلاة والسلام وقال : أنشدك الله ، الله بعثك نبيا؟ .. فقال عليه الصلاة والسلام : أي والله ، الله بعثني نبيا ، فصدقه بيمينه وأسلم.
وهذه وأمثالها أكثر من أن تحصى ، ولم يشتغل واحد منهم بالكلام ، وتعلم الأدلة. بل كان يبدو نور الإيمان بمثل هذه الأشياء في قلوبهم لمعة بيضاء ، ثم لا تزال تزداد إشراقا بمشاهدة تلك الأجوبة السديدة ، وتلاوة القرآن ، وتصفية القلوب. يقول الإمام الغزالي :
«فليت شعري متى نقل عن رسول الله أو عن الصحابة رضوان الله عليهم أن قالوا لمن جاءهم مسلما.
الدليل على أن العالم حادث.
أنه لا يخلو عن الأعراض.
وما لا يخلوا عن الحوادث حادث» (١) ..؟
إن ذلك لم يحدث قط ، ولم يتواتر عن أحد منهم ، إن علم الكلام لم يأمر به الرسولصلىاللهعليهوسلم ولا تناوله الصحابة من بعده حتى قال الإمام الشافعي رضي الله عنه ناهيا عن ذلك :
«لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ، ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في علم الكلام» (٢).
__________________
(١) راجع فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة ص ٨٩.
(٢) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص ٨٩.