فقال القسيس : هذا محال ، وقد غشك من أخبرك ، فإن الملائكة خالدون يستحيل عليهم الفناء.
فأجابه الملك : أحق ما تقوله ..؟
قال القسيس : نعم.
قال الملك : فكيف إذن تريد أن تقنعني بأن الله ذاته يموت ..؟» (١).
انظر إلى تلك المناقشة التي تلمح فيها قوة العقل التي ترد أعقد المسائل إلى أقرب البدهيات ، ليدركها النظر السليم ، وليفحم المجادل العنيد ، وألا تلمح سذاجة الفطرة القوية. قد التقت مع التفكير المعقد فحلت عقدته وبينت له ما ينبغي أن يدركه الفكر القويم.
ثم جاء الإسلام ، جاء الإسلام بالدعوة إلى التوحيد ، توحيد الخالق فلا إله إلا الله.
وتوحيد العقيدة فلا دين إلا الإسلام ، وتوحيد البشرية : كلكم لآدم وآدم من تراب.
وأخذ الوحي يتتابع والآذان تتسمع إلى الآيات البينات التي تأتي من عند الله. وكأنها أوامر فورية تلتقطها الآذان ، وتعيها القلوب فتسمع وتطيع ، كما يسمع الجنود في ثكنتهم أوامر القائد فيبادرون إلى الطاعة ، وإلى التنفيذ.
إن هذا الوحي يبلغه إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أمر ربه (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٢).
ولا خيار للمؤمن ولا للمؤمنة فيما يأتي من عند الله مصداقا لقوله تعالى :
__________________
(١) راجع كتاب تاريخ الجدل للشيخ محمد أبو زهرة ص ٣٥ نقلا عن كلام المستشرق (دوزي) ترجمة الأستاذ كامل كيلاني.
(٢) سورة النساء آية رقم ٨٠.