ومزقتهم الأهواء والأغراض فافترقوا فرقا وجماعات مصداقا لما قال الرسول صلىاللهعليهوسلم :
«ستفترق أمتي».
فكانت الخوارج وكانت الشيعة ، وكانت المعتزلة ، وكانت الأشاعرة وكانت القدرية ، وكانت الجهمية ، وكانت الباطنية.
وغير ذلك كثير من أشياء تذهب بلب الحليم ، وتصيب الرءوس بالدوار ولكل فرقة من هذه الفرق جدل ومناقشات (١) يلتبس فيها الحق بالباطل والواقع
__________________
(١) أ ـ جدل القدرية :
كان على عهد هشام بن عبد الملك رجل قدري فبعث هشام إليه فقال له : قد كثر كلام الناس فيك.
قال : نعم يا أمير المؤمنين ، ادع من شئت فيجادلني فإن أدركت عليّ بذلك فقد أمكنتك من علاوتي :
فقال هشام : قد أنصفت فبعث إلى الأوزاعي فلما حضر قال له هشام : يا أبا عمرو ناظر هذا القدري.
فقال له الأوزاعي : اختر إن شئت ثلاث كلمات ، وإن شئت أربع وإن شئت واحدة.
فقال له القدري : بل ثلاث كلمات.
فقال الأوزاعي للقدري : أخبرني عن الله عزوجل هل قضى على ما نهى ..؟ قال القدري :
ليس عندي في هذا شيء.
فقال الأوزاعي : هذه واحدة ، ثم قال : أخبرني عن الله عزوجل : أحال دون ما أمر؟
قال القدري : هذه أشد من الأولى ، ما عندي في هذا شيء.
فقال الأوزاعي : هذه اثنتان يا أمير المؤمنين ، ثم قال أخبرني عن الله عزوجل. هل أعان على ما حرم؟
فقال القدري : هذه أشد من الأولى والثانية ، ما عندي في هذا شيء.
فقال الأوزاعي : يا أمير المؤمنين. هذه ثلاث كلمات. فأمر هشام فضربت عنقه فقال هشام للأوزاعي : فسر لنا هذه الكلمات الثلاث ما هي؟
قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أما تعلم أن الله تعالى قضى على ما نهى. نهى آدم عن الأكل من الشجرة ، ثم قضى عليه فأكلها ، أما تعلم أن الله تعالى حال دون ما أمر ، أمر إبليس بالسجود لآدم ، ثم حال بينه وبين السجود ، أما تعلم يا أمير المؤمنين أن الله أعان على ما حرم؟ حرم الميتة والدم ولحم الخنزير ، ثم أعان عليه بالاضطرار.
فقال هشام : أخبرني عن الواحدة ما كنت تقول له؟
قال : كنت أقول له : أخبرني عن الله عزوجل حيث خلقك ، خلقك كما شاء أو شئت ، فإنه