[تقليد صلاح الدين أمور الخليفة]
وقلّد العاضد الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف الأمور ، وهو لقّبه الملك النّاصر ، وكتب تقليده القاضي الفاضل. فقام بالسّلطنة أتمّ قيام (١).
قال العماد في «البرق الشّاميّ» (٢) بعد أن ذكر استباحة الفرنج بلبيس : فأناخوا على القاهرة معوّلين على المحاصرة في عاشر صفر ، فخاف النّاس من نوبة بلبيس ، فلو أنّ الفرنج لم يعمدوا بالسّوء في بلبيس لوثقت منهم القاهرة ، ولم تدم المحاصرة. وأحرق شاور مصر ، وخاف عليها منهم ، فبقيت النّار تعمل فيها أربعة وخمسين يوما. وكان غرضه أن يأمن عليها من العدوّ الكافر. ثمّ عرف العجز ، فشرع في الحيل ، فأرسل إلى ملك الفرنج يبذل له المودّة ، وأنّه يراه لدهره العمدة ، فأحسن له العدّة ، ووفّر لرجائه الجدّة ، وقال : أمهلني حتّى أجمع لك الدّنانير ، وأنفذ لك منها قناطير ، وأطمعه (٣) في ألف ألف دينار معجّلة ومنجّمة ، وتوثّق منه بمواثيق مستحكمة ، ثمّ قال له : ترحل عنّا ، وتوسع الخناق ، وتترك الشّقاق. وعجّل له مائة ألف دينار حيلة وخداعا ، ووصل بكتبه نور الدّين مستصرخا مستنفرا ، وفي طيّها ذوائب مجزوزة وعصائب محزوزة ، وبقي ينفّذ للفرنج في كلّ حين مالا ، ويطلب منهم إمهالا ، حتّى أتى الغوث ، فسلب أسد الدّين القرار ، وساق في ليلة إلى حلب ، وقال إنّ الفرنج قد استحكم في البلاد المصريّة طمعهم ، وليس في الوجود غيرك من يرغمهم ، ومتى تجمع العسكر؟ وكيف تدفعهم؟ فقال له :
خزانتي لك ، فخذ منها ما تريد ، ويصحبك أجنادي. وعجّل له بمائتي ألف دينار ، وأمر خازنه وليّ الدّين إسماعيل بأن يعطيه ما يطلب. فقال : أمضي إلى الرحبة لجمع التّركمان.
__________________
(١) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٦ ، أخبار الدول المنقطعة ١١٦ ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٥٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٢٥٦ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٣٣٩ ، تاريخ الخلفاء ٤٤٤ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٢٣٣.
(٢) في الجزء الضائع من الكتاب ، ويوجد نحوه في الروضتين ج ١ ج ٢ / ٣٩١ ، ٣٩٢.
(٣) في الأصل : «أطعمه».