وذهب نور الدّين ليتسلم قلعة جعبر ، وحشد أسد الدّين وحشر ، وأسرع نور الدّين بالعود إلى دمشق. وخرجنا إلى الفوّار ، وأسد الدّين هناك في العسكر الجرّار ، وأطلق لكلّ فارس عشرين دينارا ، ورحلوا على قصد مصر.
وخيّم نور الدّين بمن أقام معه على رأس الماء ، (١) فجاء البشير برحيل الفرنج عن القاهرة عند وصول خبر العسكر ، (٢) فدخلوا مصر في سابع (٣) ربيع الآخر ، وتودّد شاور إلى أسد الدّين وتردّد ، وتجدّد بينهما من الودّ ما تأكّد (٤).
ثمّ ساق «العماد» نحو ما قدّمنا ، وأنّه قتل في سابع عشر ربيع الآخر.
ثمّ قال (٥) : «ولمّا فرغ العسكر بمصر بعد ثلاثة أيّام من التّعزية بأسد الدّين اختلفت آراؤهم ، واختلطت أهواؤهم ، وكاد الشّمل لا ينتظم (٦) ، فاجتمع الأمراء النّوريّة على كلمة واحدة ، وأيد متساعدة ، وعقدوا لصلاح الدّين الرأي والراية ، وأخلصوا له الولاء والولاية ، وقالوا : هذا مقام (٧) عمّه ، ونحن بحكمه ، وألزموا صاحب القصر بتوليته ، ونادت السّعادة بتلبيته ، وشرع في ترتيب الملك وتربيته (٨) ، وسلّط الجود على الموجود ، وبسط الوفور للوفود».
قال القاضي بهاء الدّين بن شدّاد (٩) : وكانت الوصيّة إلى صلاح الدّين. من عمّه ، ولمّا فوّض إليه تاب من الخمر ، وأعرض عن اللهو (١٠). ولقد
__________________
(١) رأس الماء : من أرض حوران وتقع على طريق الحج ، شمال درعا وجنوب دمشق.
(٢) الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٣ و ٤٦٤.
(٣) في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٣٩٨ «في الرابع».
(٤) الروضتين ج ١ / ق ٢ / ٣٩٨.
(٥) قول العماد في الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٠٩ ، وفي سنا البرق الشامي ١ / ٨١.
(٦) زاد في الروضتين : «والخلل لا يلتئم» ، ومثله في : سنا البرق الشامي ١ / ٨١.
(٧) في الروضتين «هذا قائم مقامه» ، والمثبت يتفق مع سنا البرق ١ / ٨١.
(٨) زاد في الروضتين : «ورفض ختوم الخزائن ، وأبضّ رسوم المزاين» ، وانظر : سنا البرق ١ / ٨١.
(٩) في النوادر السلطانية ٤٠ ، ٤١.
(١٠) تاريخ ابن سباط ١ / ١٢٤.