لأمره نفاذ ، وبه في الشّدّة عياذ ، وله بتحيّل الحيل لياذ ، وعلى القصر استحواذ ، فتشمّر وتنمّر ، وقال : من كسرى ، ومن كيقباذ (١)؟. وتآمر هو ومن شايعه وبايعه على مكاتبة الفرنج ، فكاتبوهم خفية ، فاتّفق أنّ تركمانيّا عبر بالبير البيضاء (٢) ، فرأى نعلين جديدين مع إنسان ، فأخذهما وجاء بهما إلى صلاح الدّين ، فوجد في البطانة خرقا مكتوبة ، مكتومة ، مختومة ، بالشرّ محتومة ، وإذا هي إلى الفرنج من القصر ، يرجون بالفرنج النّصر ، فقال : دلّوني على كاتب هذا الخطّ. فدلوه على يهوديّ من الرّهط ، فلمّا أحضروه لفظ بالشّهادتين ، واعترف أنّه بأمر مؤتمن الخلافة كتبه ، واستشعر الخصيّ العصيّ ، وخشي أن تسبقه (٣) على شقّ العصا العصيّ ، فلزم القصر. وأعرض عنه صلاح الدّين ، ثمّ خرج إلى قرية له (٤) ، فأنهض له السّلطان صلاح الدّين من أخذ رأسه في ذي القعدة.
ولمّا قتل هذا الخادم سار (٥) السّودان وثاروا ، ومن استعار السّعير استعاروا ، وأقاموا ثاني يوم قتله وجيّشوا ، وكانوا أكثر من خمسين ألفا ، من كلّ أنبس أغلس ، أحمر أحمس (٦) ، أجرى أجرس ، ألسع أليس ، أسود أسود ، وأسحم حسامه يحسم ، فحسبوا أنّ كلّ بيضاء شحمة ، وكلّ سوداء فحمة (٧) ، وحمراء لحمة ، وأنّ كلّ ما أسدوه من العجاج مناله لحمة ، فأقبلوا ونصرائهم
__________________
(١) النص في سنا البرق الشامي مختلف : «وكان بالقصر أستاذ ، له على حكم القصر استحواذ ، وبدا من شرار شرّه دخان ، ومن رشاش كيده رذاذ».
(٢) البير البيضاء : قريبة من بلبيس بينها وبين الخانكة ، ومكانها اليوم عزبة أبي حبيب بناحية الزوامل في حوض يعرف الآن باسم حوض البيضاء. وفي معجم البلدان : البيضاء اسم لأربع قرى في مصر ، الأولى من كورة الشرقية (وهي المقصودة هنا) ، والثانية : غربيّ النيل بين مصر والإسكندرية ، والثالثة : من ضواحي الإسكندرية ، والرابعة : قرب المحلّة. (انظر : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥٠ حاشية ٣).
(٣) في الأصل : «تشنقه» ، والتحرير من : الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥١.
(٤) يقال لها : الخرقانية. وفي سنا البرق الشامي ١ / ٨٣ : «وكان له قصر يقال له الخرقانية».
(٥) هكذا في الأصل. وفي الروضتين ج ١ ق ٢ / ٤٥١ : «غار» ، ومثله في سنا البرق ١ / ٨٣.
(٦) في سنا البرق ١ / ٨٣ : «من كل أخضر ينظر من عينيه الموت الأحمر».
(٧) انظر : مجمع الأمثال للميداني ٢ / ١٥٦.