واستدل عليه الشيخ بإجمال الدليل ، فانه ان لاحظنا كلا من الطرفين بخصوصه ، كالإناء الشرقي مثلا أو الإناء الغربي ، يكون مشكوك النجاسة بعد اليقين بنجاسته سابقا ، ومقتضى إطلاق صدر الأدلة أي قوله عليهالسلام «لا تنقض اليقين بالشك» جريان الاستصحاب. وان لاحظنا العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في الجملة وطهارة أحدهما ، لا بد من رفع اليد عن الحالة السابقة ، وعدم جريان الاستصحاب في واحد منهما ، لإطلاق ذيلها ، وهو قوله عليهالسلام «ولكن تنقضه بيقين مثله» فانه يعم اليقين الإجمالي. ولا يمكن الجمع بين الأمرين ، لأن السالبة الجزئية تناقض الموجبة الكلية ، أي جريان الاستصحاب في كلا الطرفين يناقضه عدم جريانه في واحد منهما ، فيدور الأمر بينهما ، وبما أنه لا مرجح لأحد الإطلاقين ، يكون الدليل مجملا ، لا يمكن الأخذ بشيء منهما (١).
وفيه : أولا : انه لا إجمال في الدليل ، لظهور اليقين في ذيل الحديث في اليقين التفصيليّ ، وذلك لأن الناقض لكل يقين لا بد وان يكون اليقين المتعلق بما تعلق به اليقين السابق ، لا المتعلق بغيره ، فظاهر قوله (انقضه بيقين مثله) هو اليقين المتعلق بعين ما تعلق به اليقين الأول.
وفي محل الكلام اليقين الإجمالي لم يتعلق بما تعلق به اليقين التفصيليّ ، فان اليقين التفصيليّ كان متعلقا بنجاسة كل من الإناءين بخصوصه ، ولم يتعلق به يقين على خلاف تلك الحالة ، وما تعلق به اليقين الإجمالي هو طهارة أحدهما ، فمتعلقه ليس إناء خاص ، ولو كان الطاهر الواقعي أحدهما المعين عند الله تعالى ، فان العلم حقيقته الانكشاف ، ولم ينكشف سوى طهارة أحد الإناءين ، فضلا عما لم يكن كذلك ، بان كانا معا طاهرين ، فلا يمكن ان يكون اليقين الإجمالي بالطهارة ناقضا لليقين التفصيليّ بنجاسة كل منهما ، فيعمه صدر الأدلة دون ذيلها.
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٤٤ ـ ٧٤٥ (ط. جامعة المدرسين).