وثانيا : لو تنزلنا عن ذلك ، وبنينا على ان إطلاق اليقين يعم الإجمالي ، يرد عليه ما في الكفاية من ان دليل الاستصحاب غير منحصر بما هو مشتمل على هذا الدليل ، بل بعضها غير مشتمل عليه ، فيتمسك بإطلاقها. وإجمال ما هو مقيد بالذيل لا يوجب رفع اليد عن إطلاق المطلق منهما ، لأن الإجمال معناه عدم الدلالة على الإطلاق ، لا الدلالة على عدمه ، كما هو واضح. فالمانع الإثباتي مفقود في المقام.
ولذا جعل الميرزا قدسسره المانع ثبوتيا ، وحاصل ما ذكره : ان الأصول التي يعلم بمخالفة بعضها للواقع ان كانت غير محرزة ، بأن لم تكن ناظرة إلى الواقع ، بل كانت وظائف عملية للشاك ، كالاحتياط الشرعي في الأعراض والأموال مثلا ، لا مانع من جريانها ، فإذا علم إجمالا بأن إحدى المرأتين محرم له ، ويجوز له النّظر إليها ، والأخرى أجنبية ، لا مانع من جريان أصالة الاحتياط فيهما معا ، إذ لا مانع من ان يلزم الشارع ظاهرا بترك مباح واقعي تحفظا على عدم وقوع المكلف في الحرام الواقعي. وأما ان كانت من الأصول المحرزة الناظرة إلى الواقع كالاستصحاب ، فيستحيل جريانها مع العلم بمخالفة بعضها للواقع ، فكيف يعبد الشارع من يعلم وجدانا طهارة أحد الإناءين بأنه عالم بنجاستهما تعبدا. ونظيره ما إذا قامت أمارة كالبينة على طهارة أحدهما ، فانه حينئذ لا يمكن جريان استصحاب النجاسة في كليهما ، إذ لازمه ان يعتبره الشارع عالما بالنجاسة وبالطهارة ، وهو كما ترى.
ويرد عليه : أولا : النقض بما إذا كان المكلف جنبا فصلى ، ثم شك في انه اغتسل قبلها أو صلى جنبا ، فانه يجري قاعدة الفراغ في صلاته ، ويحكم بصحتها ، واستصحاب بقاء جنابته بالإضافة إلى سائر أعماله المشروطة بالطهارة ، كاللبث في المساجد ومس المصحف ونحو ذلك ، مع العلم بمخالفة أحد الأصلين المحرزين