من طعام قطّ ، وقد اتي له بفالوذج (١) ، فلمّا وضع بين يديه ، قال : « إنّه طيّب الرّيح ، حسن اللّون ، طيّب الطّعم ، ولكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تعتد » (٢). وقد روى الإمام أبو جعفر عليهالسلام قال : « أكل عليّ من تمر دقل (٣) ثمّ شرب عليه الماء ، وضرب يده على بطنه وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده الله » ، ثمّ تمثّل :
« فإنّك مهما تعط بطنك سؤله |
|
وفرجك نالا
منتهى الذّمّ أجمعا » (٤) |
وروى عبد الملك بن عمير قال : حدّثني رجل من ثقيف أنّ عليّا عليهالسلام استعمله على عكبرا ، قال : ولم يكن السواد يسكنه المصلّون ، وقال لي : « إذا كان عند الظّهر فرح إليّ » ، فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا يحبسني عنه دونه ، فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بظبية (٥) فقلت في نفسي : لقد أمنني حتى يخرج إليّ جواهرا ـ ولا أدري ما فيها ـ فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق ، فأخرج منها فصبّ في القدح فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني ، فلم أصبر فقلت :
يا أمير المؤمنين ، أتصنع هذا بالعراق ، وطعام العراق أكثر من ذلك؟
قال : « أما والله! ما أختم عليه بخلا ، ولكنّي ابتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره ، وإنّما حفظي لذلك ، وأكره أن ادخل بطني إلاّ طيّبا » (٦).
وهكذا كان رائد العدالة الإسلامية متحرّجا في طعامه كأشدّ ما يكون التحرّج ، وقد تحدّث الإمام عليهالسلام عن زهده وإعراضه عن الدنيا بقوله :
__________________
(١) الفالوذج : حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل ، والكلمة فارسية.
(٢) حلية الأولياء ١ : ٨١. كنز العمّال ١٥ : ١٦٤.
(٣) الدقل : أردأ التمر.
(٤) كنز العمّال ٢ : ٢٦١.
(٥) الظبية : جراب صغير.
(٦) حلية الأولياء ١ : ٨٢. الرياض النضرة ٢ : ٢٣٥.