« فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة ».
ومن المؤكّد أنّ الإمام عليهالسلام لم ينل من أطائب الطعام حتى وافاه الأجل المحتوم ، فقد أفطر في آخر يوم من حياته في شهر رمضان على خبز وجريش ملح ، وأمر برفع اللبن الذي قدّمته له بنته الزكية أمّ كلثوم (١) ، وهو في نفس الوقت كان يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه : وددت أنّي كنت يتيما (٢) ، وروى عبد الله بن رزين قال : دخلت على عليّ بن أبي طالب يوم الأضحى فقرّب إلينا حريرة فقلت : أصلحك الله ، لو قرّبت إلينا من هذا البطّ ـ يعني الوزّ ـ فإنّ الله عزّ وجلّ قد أكثر الخير ، فقال :
« يا ابن رزين ، إنّي سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لا يحلّ للخليفة من مال الله إلاّ قصعتان ، قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين يدي النّاس » (٣). وقد سار على هذا المنهج المشرق لأنّه إمام المسلمين وله خطته الخاصّة في الزهد ، لا يشاركه فيها أحد من أبناء الشعب ، ومن أمثلة ذلك أنّه شكا إليه الربيع بن زياد الحارثي أخاه قائلا : اعدني على أخي عاصم.
« ما باله؟ ».
لبس العباءة يريد النسك ... فأمر الإمام بإحضاره ، فلمّا مثل بين يديه رآه الإمام مؤتزرا بعباءة مرتديا باخرى ، شعث الرأس واللحية ، فعبس الإمام بوجهه وقال له بعنف :
« أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى أنّ الله أباح لك الطّيّبات ،
__________________
(١) منتهى الآمال ١ : ٣٣٤.
(٢) بحار الأنوار ٤١ : ٢٩.
(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٧٨.