أمّا السبب في نزولها فهو أنّ السبطين سلام الله عليهما مرضا ، فعادهما جدّهما مع كوكبة من الصحابة ، وطلبوا من الإمام عليهالسلام أن ينذر لله صوما إن عافا ولديه ، فنذر الإمام صوم ثلاثة أيام ، وتابعته الصدّيقة وجاريتها فضّة في هذا النذر ، ولمّا أبل الحسنان من المرض صاموا جميعا ، ولم يكن عند الإمام عليهالسلام شيء من الطعام ليجعله إفطارا لهم ، فاستقرض ثلاثة أصواع من الشعير ، وعمدت سيّدة نساء العالمين الصدّيقة سلام الله عليها في اليوم الأوّل إلى صاع فطحنته وخبزته ، فلمّا آن وقت الافطار وإذا بمسكين طرق الباب يستميحهم شيئا من الطعام ، فعمدوا جميعا إلى هبة قوتهم للمسكين ، واستمرّوا على صيامهم لم يتناولوا شيئا سوى ماء القراح ، وفي اليوم الثاني عمدت بضعة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الصاع الثاني فطحنته وخبزته ، فلمّا حان وقت الافطار ، وإذا بيتيم يشكو الجوع فتبرّعوا جميعا بقوتهم ، ولم يتناولوا شيئا سوى الماء ، وفي اليوم الثالث قامت سيّدة النساء فطحنت ما بقي من الشعير وخبزته ، فلمّا حان وقت الغروب ، وإذا بأسير قد طرق الباب قد ألمّ به الجوع فسحبوا أيديهم من الطعام ومنحوه له.
سبحانك اللهمّ أي إيثار أعظم من هذا الايثار؟ إنّه لم يقصد به إلاّ وجه الله تعالى وابتغاء أجره.
ووفد عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في اليوم الرابع فرأى أجساما مرتعشة قد ذابت من الجوع ، فتغيّر حاله ، وطفق يقول : « وا غوثاه أهل بيت محمّد يموتون جياعا ».
ولم ينه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كلامه حتى هبط عليه أمين الوحي وهو يحمل لهم المكافأة العظمى وهي سورة هل أتى ، إنّها مغفرة ورحمة ورضوان من الله تعالى ، وخلود في الفردوس الأعلى ، ووسام شرف في الدنيا باق حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها ، إنّه يحمل هذه الآيات العظام.
( وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً. مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ