المدينة وصار حواليها ، فقال النبيّ : « لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسرّه » ، فالتفت الإمام عليهالسلام إلى النبيّ فقال له : « كأنّك أردت قوله :
وأبيض يستسقى
الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى
عصمة للأرامل » (١) |
كما كان لهذا البيت وقع خاصّ عند الاسرة النبوية ، فقد أنشدته سيّدة نساء العالمين عليهاالسلام في الساعات الأخيرة من حياة أبيها فقال لها أبوها بلطف : « هذا قول عمّي أبي طالب » ، وتلا قوله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... ) الآية (٢).
وعلى أي حال فقد خفّ جماعة من رؤساء قريش إلى أبي طالب وعرضوا عليه أن يسلّم لهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لتصفيته جسديا ويعطوه عوض ذلك عمارة وهو من أنبل فتيان قريش ، ومن أصبحهم وجها ، فسخر منهم أبو طالب وصاح بهم : « والله ما أنصفتموني أيّها الحمقى ، تبّا لكم وسحقا! أتريدون منّي أن اعطيكم روحي وولدي لتقتلوه ، وتعطوني ابنكم اربّيه لكم! ما لكم كيف تحكمون ، أترجون منّي أن أستبدل محمّدا بعمارة بن الوليد ، فو الذي نفسي بيده لو أعطيتموني العالم كلّه لما استبدلته بظفر من رجل محمّد ، فإليكم عنّي ، لا تكلّموني ، وإلاّ علوت رءوسكم بالسيف ».
وانصرفوا خائبين خاسرين ، قد خيّب آمالهم وسخر منهم أبو طالب ووقف بصلابة لحماية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. لقد وقف أبو طالب منافحا عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو لا حمايته له لما أبقى القرشيّون للنبيّ ولا لدعوته أيّ ظلّ.
__________________
(١) خزانة الأدب ٢ : ٦٩.
(٢) آل عمران : ١٤٤.