وذلك أنّهم يدعون مالكا فلا يجيبهم مقدار أربعين عاما (١) ثمّ يجيبهم (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ). ثمّ يدعون ربّهم فيذرهم مقدار عمر الدنيا مرّتين : ثمّ يجيبهم (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١٠٨) [المؤمنون : ١٠٨] فأيسوا بعدها ، فما نبس القوم بعدها بكلمة ، ما كان إلّا الزفير والشهيق. شبّه أصواتهم بأصوات الحمير ، أوّله زفير وآخره شهيق.
قوله : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ) : أي بالقرآن ، يقوله للأحياء ، وانقطع كلام أهل النار. (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (٧٨) : يعني من لم يؤمن.
قال : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) : أي : كادوا كيدا بمحمّد (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) (٧٩) : أي : فإنّا كائدون. وذلك ما كانوا اجتمعوا له في دار الندوة في أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠) [الأنفال : ٣٠]. وقد فسّرنا ذلك في سورة الأنفال (٢).
قوله : (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) أي : فإنّا كائدون لهم بالعذاب. قال مجاهد : فإنّا مجمعون.
قال : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) : أي : ما كانوا يتناجون فيه من أمر النبيّ عليهالسلام. (بَلى وَرُسُلُنا) : يعني الحفظة (لَدَيْهِمْ) : أي عندهم (يَكْتُبُونَ) (٨٠) : أي يكتبون عليهم أعمالهم.
قوله : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) : أي ما كان للرحمن ولد (٣). ثمّ انقطع الكلام ، ثمّ قال :
__________________
(١) كذا في ع وق. وفي ز ورقة ٣١٨ : «ثمانين عاما».
(٢) انظر. ما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ٣٠ من سورة الأنفال.
(٣) لهذه الآية وجوه من التأويل لم يورد المؤلّف هنا إلّا واحدا منها. قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٠٦ : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (إن) في موضع (ما) في قول بعضهم : ما كان للرحمن ولد ، والفاء مجازها مجاز الواو : ما كان للرحمن ولد وأنا أوّل العابدين ... وقال آخرون : مجازها : إن كان في قولكم : (لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) ، أي الكافرين بذلك والجاحدين لما قلتم ، وهي من عبد يعبد عبدا». وقال مجاهد في تفسيره ، ص ٥٨٤ : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) يقول : إن كان له ولد كما تقولون (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) يقول : أنا أوّل المؤمنين بالله عزوجل ، فقولوا ما شئتم». وفي قول لمجاهد أيضا رواه الطبريّ ، ج ٢٥ ص ١٠١ : «فأنا أوّل من عبد الله ووحّده وكذّبكم». وانظر اللسان (عبد) ففيه تلخيص واف لهذه الأقوال. وقد رجّح الأزهريّ فيه قول مجاهد وقال عنه : «وهو الذي لا يجوز عندي غيره». وانظر كذلك ـ