يوسف (١). فأصابهم الجوع حتّى أكلوا الميتة والعظام ، حتّى كان أحدهم يرى ما بينه وبين السماء دخانا من الجهد (٢). فذلك قوله : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ). فسألوا أن يكشف عنهم العذاب فيؤمنوا. قال الله : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ، فكشف عنهم العذاب ، فعادوا في كفرهم. فأخذهم يوم بدر ، فهو قوله : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ).
قال عبد الله بن مسعود : قد مضت البطشة الكبرى والدخان واللزام والروم والقمر. ذكروا عن محمّد بن سيرين عن عبد الله بن مسعود أنّه قال : قد مضى الدخان سنين كسني يوسف.
وكان الحسن يحلف : ما جاء الدخان ، وليأتينّ حتّى يدخل في سمع الكافر والمنافق وبصره ، ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام.
ذكروا عن عبد الرحمن بن البيلمانيّ (٣) أنّه قال : سمعت ابن عمر : يذكر خروج الدابّة ، قال : ثمّ يخرج الدخان فيأخذ المؤمن منه شبه الزكمة فيدخل في مسامع الكافر والمنافق وفي جلده حتّى يكون كالرأس الحنيذ ، وإنّ التوبة لمفتوحة ، ثمّ تطلع الشمس من مغربها فترفع التوبة (٤).
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) : قال الحسن : ابتليناهم بالدين. كقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) (٣٠) [المؤمنون : ٣٠] أي : لمختبرين. قال الله عزّ
__________________
(١) حديث صحيح متّفق عليه رواه أحمد والبخاريّ ومسلم وأبو داود والنسائيّ. أخرجه البخاريّ من طرق متعدّدة في كتاب التفسير ، سورة الدخان. وأخرجه مسلم كذلك في تفسير سورة الدخان ، باب في قوله (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، وأخرجه الترمذيّ أيضا في تفسير سورة الدخان ، كلّهم يرويه من حديث مسروق عن عبد الله بن مسعود. ورواه يحيى بن سلّام في ز بهذا السند : " يحيى عن المعلّى عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي الضحا عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ...».
(٢) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٣٩ : «كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم فقال : اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، اللهمّ سنين كسني يوسف ، فأصابهم جوع ، حتّى أكلوا العظام والميتة ، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا».
(٣) جاء الاسم في ق هكذا : «عبد الرحمن السماني» ، وفيه تصحيف صوابه ما أثبتّه : «عبد الرحمن بن البيلماني» ، وهو مولى عمر ، تابعيّ ثقة وإن تكلّم فيه بعض العلماء. أمّا ابنه محمّد فضعيف جدّا يروي المناكير.
(٤) اقرأ ترجيح الطبريّ لقول ابن مسعود في تفسير هذا الدخان ، في تفسيره ، ج ٢٥ ص ١١٤.