قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) : أي من بايع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنّما بايع الله ؛ وهذا يوم الحديبيّة ، وهي بيعة الرضوان ، بايعوه على ألّا يفرّوا.
ذكروا عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : بايعنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ألّا نفرّ ، ولم نبايعه على الموت.
[قال بعضهم : أخبر أناس يوم بيعة رسول الله تحت الشجرة أنّ رسول الله بعث عثمان بن عفان إلى قريش بمكّة يدعوهم إلى الإسلام. فلمّا راث عليه ، أي : أبطأ عليه ، ظنّ رسول الله أنّ عثمان قد غدر به فقتل. فقال لأصحابه : إنّي لا أظنّ عثمان إلّا قد غدر به. فإن فعلوا فقد نقضوا العهد ، فبايعوني على الصبر وألّا تفرّوا] (١).
قوله : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) : أي فمن نكث حتّى يرجع كافرا أو منافقا فإنّما ينكث على نفسه (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) : أي ومن استكمل فرائض الله وعمل بها ووفّى بما عاهد عليه الله (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١٠) : أي فسنؤتيه الجنّة نثيبه بها.
قوله (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) : يعني المنافقين [المتخلّفين عن الجهاد في تفسير الحسن] (٢) (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) : أي : خفنا عليها الضيعة ، فذلك الذي منعنا أن تكون معك في الجهاد (فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) : أي يعتذرون بالباطل.
وقال الكلبيّ : لمّا خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الحديبيّة تخلّف عنه عامّة الأعراب ، لم يتبعه أحد منهم ، وخافوا أن يكون قتال. فلمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الحديبيّة وعده الله خيبر ؛ فأتوه ليعتذروا وليغزوا معه رجاء الغنيمة ، يقولون : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا ..). إلى قوله (بَلْ ظَنَنْتُمْ ، أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ ، أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً).
__________________
(١) زيادة من ز ، ورقة ٣٢٩ ـ ٣٣٠. وقد روى ابن سلّام هذا الخبر بسند لم يتّضح لي أسماء رواته إلّا : يحيى عن ابن لهيعة ، ولم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ فيما بين يديّ من المصادر وإن كانت تتّفق على أنّ الرسول بايعهم على ألّا يفرّوا. وقد روي عنه أنّه قال : «لا نبرح حتّى نناجز القوم». انظر سيرة ابن هشام ، ج ٣ ص ٣١٥ ، ومغازي الواقدي ، ج ٢ ص ٦٠٣ ، فما بعدها.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٣٠. وقال الفرّاء في المعاني ج ٣ ص ٦٥ : «وهم أعراب أسلم وجهينة ومزينة وغفار».