قال الله عزوجل : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) : أي أن يهلككم بنفاقكم (١) فيدخلكم النار. (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) : أي : أن يرحمكم بالإيمان ، أي : يمنّ عليكم. وقد أخبر نبيّه بعد في غير هذه الآية أنّه لا يتوب عليهم في قوله : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ) أي : وتموت أنفسهم ، أي يموتون. (وَهُمْ كافِرُونَ) (٥٥) [التوبة : ٥٥]. وقال : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [المنافقون : ٦]. قال : (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١١).
قوله : (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) : قد ذكرنا تفسير الكلبيّ أنّه يوم الحديبيّة. وقال الحسن : كان ذلك في غزوة تبوك. كان المنافقون يقولون : لن يرجع محمّد والمؤمنون إلى المدينة أبدا ، ويهلكون قبل أن يرجعوا ويهلك دينهم.
قال : (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) : وهو مثل قوله : (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) [الفتح : ٦] أي : ظنّوا أنّ محمّدا وأصحابه سيهلكون ويهلك دينهم. قال : (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) (١٢) : أي فاسدين (٢).
قال : (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) : أي إنّهم لم يؤمنوا بالله ورسوله فيوفوا بما عاهدوا عليه ، ويكملوا فرائض الإيمان بالقول والعمل. قال : (فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) (١٣) : أي فهم كفّار ، وقد اعتدنا للكافرين سعيرا. فسمّاهم كافرين إذ لم يكملوا فرضه ويوفوا بعهده في القول والعمل. وقال في آية أخرى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ..). إلى آخر الآية [الحشر : ١١]. قوله عزوجل : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) : أي إنّه لا يشاء أن يغفر إلّا لمن تاب من الشرك وبرئ
__________________
(١) في ق وع : «أن يهلككم ويعاقبكم» ، ويبدو أنّ في الكلمة تصحيفا صوابه ما أثبتّه من ز.
(٢) كذا في ق وع وز : (بُوراً) أي فاسدين». وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٦٦ : «عن ابن عبّاس قال : البور في لغة أزد عمان : الفاسد ، (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) : قوما فاسدين. والبور في كلام العرب : لا شيء. يقال : أصبحت أعمالهم بورا ومساكنهم قبورا». وقال أبو عبيدة معمر في المجاز ، ج ٢ ص ٢١٧ : (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) هلكى». وهو ما ذهب إليه مجاهد أيضا فقد جاء في تفسيره ص ٦٣٠ : «يقول : كنتم قوما هالكين» ويبدو لي أنّ هذا التأويل الأخير هو أقرب إلى أصل المعنى اللغويّ للكلمة ، فالبوار هو الهلاك. وانظر اللسان (بور).