من النفاق ، ويعذّب من أقام على شركه ونفاقه حتّى يموت عليه ، وهو قوله : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) فيبقوا على نفاقهم (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [الأحزاب : ٢٤] فيرجعوا عن نفاقهم. وقد أخبر بعد أنّهم لا يرجعون عن نفاقهم ، وقد فسّرناه في الآية الأولى. قال : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (١٤).
قوله عزوجل : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) : وهم المنافقون يقولونه للمؤمنين (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) : وهذا حين أرادوا أن يخرجوا إلى خيبر ؛ أحبّوا الخروج ليصيبوا من الغنيمة ، وكان الله وعدها النبيّ عليهالسلام ، فلم يترك النبيّ عليهالسلام أحدا من المنافقين أن يخرج معه إلى خيبر ، أمره الله بذلك ، وإنّما كانت لمن شهد بيعة الرضوان يوم الحديبيّة.
قال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) : أي لن تخرجوا معنا (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) : لا تخرجوا.
وإنّما قال الله ذلك في براءة حيث قال : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) [التوبة : ٨٣]. فذلك قوله عزوجل : (لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) : أي إنّما تمنعوننا من الخروج معكم للحسد. قال الله عزوجل : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) عن الله (إِلَّا قَلِيلاً) (١٥) : أي إلّا التوحيد الذي قبلهم (١). وقال الكلبيّ : هم الذين تخلّفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ انطلق إلى الحديبيّة من الأعراب وغيرهم.
قوله عزوجل : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) : والبأس القتال ؛ أي : يدعوهم المسلمون بعد النبيّ عليهالسلام. (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) : أي تقاتلونهم على الإسلام. قال الحسن : هم فارس. وهو تفسير مجاهد (٢).
__________________
(١) كذا في ع وق ، وفي ز ، ورقة ٣٣٠ : «قال الله : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) عن الله ، ثمّ استثنى المؤمنين فقال : (إِلَّا قَلِيلاً) فهم الذين يفقهون عن الله». وقيل معناه : «يعني لا يعلمون إلّا أمر الدنيا». وقيل : «لا يفقهون من أمر الدين إلّا قليلا ، وهو ترك القتال». وانظر تفسير القرطبيّ ، ج ١٦ ص ٢٧١.
(٢) في تفسير مجاهد ، ص ٦٠٢ ـ ٦٠٣ : «هم فارس والروم». وفي الدرّ المنثور ، ج ٦ ص ٧٣ : «عن مجاهد ـ