قوله : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) : هم المشركون صدّوا نبيّ الله يوم الحديبيّة عن المسجد الحرام ، وحبس الهدي أن يبلغ محلّه ، وإنّما حملهم على ذلك حميّة الجاهليّة والتمسّك بها. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ) : تفسير الكلبيّ : السكينة الطمأنينة ، وتفسير الحسن : الوقار (وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) : وهي كلمة الإخلاص لا إله إلّا الله. (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) : أي وكانوا أهلها في الدنيا ، وعليها الثواب مع الوفاء بالأعمال في الآخرة (١) (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٢٦).
قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (٢٧) : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى في المنام ، في تفسير الكلبيّ : في مخرجه إلى الحديبيّة (٢) ، كأنّه بمكّة وأصحابه قد حلقوا وقصّروا. فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك المؤمنين فاستبشروا وقالوا : وحي. فلمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الحديبيّة ارتاب الناس فقالوا : رأى فلم يكن الذي رأى. فقال الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ). وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم صالح المشركين على أن يرجع عامه ذلك ويرجع من قابل فيقيم بمكّة ثلاثة أيّام ، فنحر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه الهدي بالحديبيّة ، وحلقوا وقصّروا ، ثمّ أدخله الله العام المقبل مكّة وأصحابه آمنين فحلقوا وقصّروا.
وقال بعضهم : يوم فتح مكّة. وقال الحسن : ليست برؤية المنام ولكنّها رؤيا الوحي. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أتاه جبريل بالوحي أخذته رعدة شديدة واحدة شبه النفاس ، واحمرّت وجنتاه ، فشبّه الله ذلك الذي كان يأخذه بالنوم (٣).
ذكر هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم (٤) عن أبي سعيد الخدريّ أنّ رسول الله
__________________
(١) كذا في ق وع ، وفي ز : (وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) في الدنيا وعليها وقع الثواب في الآخرة».
(٢) في ق وع وفي ز أيضا : «مخرجه إلى المدينة» وهو تصحيف ولا شكّ ، صوابه : «إلى الحديبيّة». ويذكر بعضهم أنّ الرؤيا كانت قبل خروجه إلى الحديبيّة. وجاء في تفسير مجاهد ص ٦٠٣ ما يلي : «أري رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو بالحديبيّة ، أنّه دخل مكّة وأصحابه آمنين».
(٣) كذا وردت هذه العبارة في ق وع وفيها اضطراب ، ولست مطمئنّا لبعض ألفاظها.
(٤) في ق : «يحيى بن أبي كثيرة» ، وفي ع : «يحيى عن أبي كثيرة عن أبي ابراهيم» ، والصواب ما أثبتّه بعد ـ