قال الكلبيّ : فقال سليمان : فما آخذكم الآن على السجود ، ولا ألومكم على ما تفعلون ؛ وذلك الفعل هو أنّه كان إذا أصابه الجوع استطعم فقال : أنا سليمان بن داوود ، لو عرفتموني لأطعمتموني ، أنا سليمان ، فيكذّبونه ويستخفّون به.
وقال مجاهد : إنّ سليمان قال لآصف ، الشيطان الذي خلفه ، وكان يقول : كان اسمه آصف ، كيف تفتنون الناس؟ قال : أرني خاتمك أخبرك. فلمّا أعطاه خاتمه نبذه في البحر ، فساح سليمان وذهب ملكه ، وقعد الشيطان على كرسيّه ، ومنع أن يقرب نساء سليمان.
قال الكلبيّ : فأقبل سليمان إلى ملكه فعرفه الناس واستبشروا به ، وأخبرهم أنّه إنّما فعله به الشيطان ، فاستغفر سليمان ربّه (١).
قوله : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٣٥). فسخّر الله له الريح والشياطين ، وسخّر له الشيطان الذي فعل به الفعل ، واسم الشيطان صخر. فأخذه سليمان فجعله في تخت من رخام ، ثمّ أطبق عليه ، وسدّ عليه بالنحاس ، ثمّ ألقاه في جوف البحر (٢). فمكث سليمان في ملكه راضيا مطمئنّا حتّى قبضه الله إليه.
قوله : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ، فزاده الله ملكا إلى ملكه الذي ورثه من داوود ، فسخّر له الريح والشياطين. قال الله : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) (٣٨).
ذكروا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بينا أنا البارحة في مصلّاي إذ عرض عليّ الشيطان ، فأخذته بحلقه فخنقته ، حتّى إنّي لأجد برد لسانه على ظهر كفي ، ولو لا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا تنظرون إليه (٣).
__________________
(١) نفس ما قلناه فيما روى من الإسرائيليّات حول النبيّ داوود عليهالسلام نقوله حول ما ورد منها في قصّة سليمان عليه وعلى نبيّنا السّلام ، انظر ما سلف قريبا في هذا الجزء ، تفسير الآية ٢٥ من هذه السورة (التعليق).
(٢) كذا في ع ، وفي ز ورقة ٢٩٤ : «في عرض البحر».
(٣) حديث متّفق عليه ، أخرجه البخاريّ في كتاب الصلاة ، باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد ، وفي كتاب ـ