يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني المنافقين (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) [الحج : ٥٢ ـ ٥٣] يعني المشركين. قوله : (إِذا تَمَنَّى) أي : إذا قرأ ، في تفسير بعضهم. وقال الكلبيّ : إذا حدّث نفسه.
وقال الكلبيّ : كان النبيّ عليهالسلام يصلّي في البيت ، والمشركون جلوس ؛ فقرأ (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) فحدّث نفسه ، حتّى إذا بلغ : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان على لسانه : فإنّها من الغرانيق العلى ، يعنى الملائكة ، وإنّ شفاعتهم ترتجى. وقال بعضهم : وإنّها مع الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتهم لترتجى.
وقال بعضهم : بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند المقام يصلّي ، إذ نعس ، فألقى الشيطان على لسانه كلمة فتكلّم بها ، فتلقّفها المشركون عليه : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) وإنّها مع الغرانيق العلى ، فأنزل الله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى ..). الآية.
قال الكلبيّ : فلمّا انصرف النبيّ عليهالسلام من صلاته قال المشركون : قد ذكر محمّد آلهتنا بخير. فقال النبيّ عليهالسلام : والله ما كذلك نزلت عليّ. فنزل عليه جبريل ، فأخبره النبيّ عليهالسلام فقال : والله ما هكذا علّمتك ، وما جئت بها هكذا. فأنزل الله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ..). وقال الكلبيّ : (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) : إن سأل شيئا من الدنيا. فألقى الشيطان على لسانه هذا القول. وقال بعضهم : وبلغنا أنّه قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ) أي : انقبضت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي : أوثانهم (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥) [الزمر : ٤٥].
قوله عزوجل : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) (٢٤) : وذلك لفرح المشركين بما ألقى الشيطان على لسان النبيّ من ذكر آلهتهم (١).
قال : (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (٢٥) : [أي ثوابهما] (٢).
__________________
(١) قصّة الغرانيق هذه قصّة موضوعة ما أنزل الله بها من سلطان. وقد فنّدها جمع من علماء التفسير المحقّقين قديما وحديثا. انظر تعليقنا عليها فيما مضى ج ٣ ، تفسير الآية ٥٢ من سورة الحجّ.
(٢) زيادة من معاني الفرّاء ، ج ٣ ص ٩٩.