قوله عزوجل : (ما زاغَ الْبَصَرُ) : أي بصر النبيّ عليهالسلام ، أي : ما زاغ البصر فلم يثبت ما رأى (وَما طَغى) (١٧) : أي ما قال ما لم ير.
(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (١٨) : ولم يقل رأى ربّه الكبير (١). يعني ما قصّ ممّا رأى. ثمّ قال للمشركين : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢٠) : أي بعد الإلهتين. واللّات كانت لثقيف ، والعزى لقريش (٢) ، ومناة لبني هلال.
(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) (٢١) : على الاستفهام. وذلك أنّهم جعلوا الملائكة بنات الله ، وجعلوا لأنفسهم الغلمان. قالوا إنّ الله صاحب بنات ، فسمّوا هذه الأصنام فجعلوها إناثا. قال الله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) أي : ليس كذلكم.
(تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (٢٢) : أي جائرة. أي : قسمة جور في تفسير الحسن. يقول : إذ جعلوا لله البنات ولهم الغلمان. وقال مجاهد : (ضِيزى) أي : معوجّة (٣).
ثمّ قال الله : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) : يعني اللّات والعزّى ومناة (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) : أي من حجّة بأنّها آلهة.
ثمّ قال للنبيّ عليهالسلام : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) : أي إنّ ذلك منهم ظنّ (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) (٢٣) : أي القرآن.
ذكروا عن أبي العالية الرياحي قال : كان النبيّ عليهالسلام في المسجد الحرام يصلّي وهو يقرأ سورة النجم. فلمّا أتى على هذه الآية : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ألقى الشيطان على لسانه : إنّهنّ من الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى. فأعجب ذلك المشركين. وقرأ السورة حتّى ختمها فسجد وسجد معه أهل مكّة المؤمنون والمشركون ، والجنّ والإنس ، فأنزل الله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما
__________________
(١) هذه الجملة من الشيخ هود الهوّاريّ ولا شكّ ، فهي غير واردة في ز ، وقد جاء فيها ما قبلها وما بعدها.
(٢) وقال الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ٩٨ : «وكانت العزّى سمرة لغطفان يعبدونها». وقال : «كانت مناة صخرة لهذيل ، وخزاعة يعبدونها».
(٣) انظر تحقيقا ممتعا مفيدا في أصل الكلمة (ضِيزى) ووزنها في معاني الفرّاء ، ج ٣ ص ٩٨ ـ ٩٩. وانظر مجاز أبي عبيدة ، ج ٢ ص ٢٣٧.