كلّه (١). فالله أعلم أكان يخشى التزكية على أمّته ، أم يقول : لا بدّ من رقاد وغفلة.
ذكروا عن الأعمش عن بعض أصحابه أنّ رجلا قال لأصحاب عبد الله بن مسعود : لقد قرأت البارحة كذا وكذا سورة. فذكروا ذلك لعبد الله بن مسعود فقال : أخبروه أنّ حظه من ذلك الذي تكلّم به. وذكروا عن بعضهم قال : كانت اليهود تقدّم أولادها فيصلّون بهم ، وقالوا ليست لهم ذنوب ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) [النساء : ٤٩].
وذكر بعضهم عن ثابت بن الحارث الأنصاريّ قال : كانت اليهود تقول لأولادها [إذا هلك صبيّ صغير : هذا] (٢) صدّيق. فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمّها إلّا أنّه شقيّ أو سعيد (٣). فأنزل الله عند ذلك هذه الآية : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ، إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ ، أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى).
وتفسير الكلبيّ : ألّا يزكّي بعضكم بعضا. قال بعض العلماء : فإذا زكّى نفسه زكى أشد (٤).
قوله عزوجل : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) (٣٣) : أي عن الإيمان ، يعني المشرك ، والتولّي هاهنا الشرك ، لأنّ السورة مكّيّة. (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) (٣٤) : [تفسير عكرمة : أعطى قليلا ثمّ قطعه] (٥). قال بعضهم : إنّما قلّ لأنّه كان لغير الله. (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) (٣٥) : أي يختار لنفسه الجنّة إن كانت جنّة ، على تفسير الحسن. وتفسير الكلبيّ أنّ رجلا من أصحاب النبيّ عليهالسلام كان ذا متاع حسن ، فأعطى عطيّة. فزعم أنّه يريد بها وجه الله. ثمّ أتاه أخ له من الرضاعة فقال له : ما تريد يا فلان بما تصنع من إهلاك مالك؟ قال : أريد به وجه الله وليكفّر به
__________________
(١) لم أجد هذا الحديث فيما بين يديّ من مصادر التفسير والحديث ، ولعلّه ممّا انفرد بروايته ابن سلّام.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٤٤ لا بدّ من إثباتها ليتّضح المعنى.
(٣) رواه ابن سلّام كما جاء في ز ورقة ٣٤٤ بالسند التالي : «يحيى عن ابن لهيعة عن الحارث عن يزيد عن ثابت بن الحارث الأنصاريّ» ، ولم أجده فيما بين يديّ من مصادر الحديث والسنّة بهذا اللفظ. وإن كان معناه ثابتا في كتب السنّة.
(٤) كذا في ق : «زكى أشد» ، وفي ع : «زكى وأشد» ، وكلاهما غير واضح المعنى.
(٥) زيادة من ز ، ورقة ٣٤٤. وقال ابن أبي زمنين : «وأصل الكلمة من كدية البئر ، وهي الصلابة فيها. فإذا بلغها الحافر يئس من حفرها فقطع الحفر. فقيل لكل من طلب شيئا فلم يبلغ آخره وأعطى ولم يتمم : أكدى». وانظر مجاز أبي عبيدة ، ج ٢ ص ٢٣٨.