فلنلتمس المخرج. فيخرجون حتّى يأتوا الخافق من قبل مطلع الشمس ، فيجدونه قد سدّ عليه الحفظة ، فيرجعون إلى الناس. فبينماهم كذلك إذ أشرفت عليهم الساعة ، فنادى مناد : أيّها الناس ، أتى أمر الله ، فما المرأة بأشدّ استماعا لها من الوليد في حجرها ، فينفخ في الصور. قال تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ) : أي نعماء (رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٤).
قال تعالى : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما) : يعني الكفّار من الجنّ والإنس (شُواظٌ مِنْ نارٍ) : وهو اللهب الذي لا دخان فيه (وَنُحاسٌ) : وهو الدخان الذي لا لهب فيه ، وهو تفسير ابن عبّاس. وهي تقرأ على وجه آخر : (مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) ، وهي قراءة عبد الرحمن الأعرج ، يقول : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) يقول : من لهب ودخان. قال الله : (فَلا تَنْتَصِرانِ) (٣٥) : أي لا تمتنعان. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٦).
قوله تعالى : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً) : أي محمرّة (كَالدِّهانِ) (٣٧) : أي كعكر الزيت ، في تفسير بعضهم. وقال الحسن : أي مثل الدهان إذا صبّ بعضه على بعض رأيت لها حمرة. وقال مجاهد : كألوان الدهان. وبعضهم يقول : أدم تكون في اليمن يقال لها الدّهان (١). (فَبِأَيِّ آلاءِ) : أي نعماء (رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٨).
قال تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) : أي لا يطلب علم ذلك من قبلهم. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٠).
قال تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) : [بعلاماتهم] (٢) ، أي : بسواد وجوههم وزرقة عيونهم. (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (٤١) : أي يجمع بين ناصيته وقدميه من خلفه ثمّ يلقى
__________________
(١) قال أبو عبيدة في المجاز ، ج ٢ ص ٢٤٥ : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) من لونها ، جمع دهن ، تمور كالدهن صافية ، وردة لونها كلون الورد ، وهو الجلّ». وقد أورد الفرّاء في المعاني ، ج ٣ ص ١١٧ معنى آخر فقال : «أراد بالوردة الفرس الوردة. تكون في الربيع وردة إلى الصفرة ، فإذا اشتدّ البرد كانت وردة حمراء. فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة. فشبّه تلوّن السماء بتلوّن الوردة من الخيل. وشبّهت الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن واختلاف ألوانه. ويقال : إنّ الدهان : الأديم الأحمر». وقد ذكر الطبريّ في تفسيره ، ج ١٧ ص ١٤٢ اختلاف المفسّرين في تأويل الآية فقال : «وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : عني به الدهن في إشراق لونه ، لأنّ ذلك هو المعروف في كلام العرب». فنرجّح ما ذهب إليه أبو عبيدة.
(٢) زيادة من مجاز أبي عبيدة ، ج ٢ ص ٢٤٥.