ذكروا عن بعضهم قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه ذات يوم : أيسرّكم أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : أيسرّكم أن تكونوا شطر أهل الجنّة؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : الناس يوم القيامة عشرون ومائة صفّ ، وأنتم منهم ثمانون صفّا (١). ذكروا عن أبي بكر قال : إن الثّلّتين كلتاهما من هذه الأمّة : ثلّة من الأوّلين وثلّة من الآخرين.
قوله : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) (٤١) : وهم أهل النار (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) (٤٢) : في نار وحميم ، أي الشراب الذي لا يستطاع من حرّه.
قال : (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) (٤٣) : أي من دخان ، [واليحموم الدخان الشديد السواد] (٢) وهو قوله : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) (٣١) [المرسلات : ٣٠ ـ ٣١] ينطلق بهم عند الفراغ من حسابهم ، ويساقون إلى النار. ثمّ يبعث الله إليهم ملكا فيقول للخزنة : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢٤) [الصافّات : ٢٤] أي : عن أعمالهم الخبيثة ، فيحبسون قبل أن يصلوا إلى النار ، فيخرج عنق من النار فيحيط بهم جميعا فيغشاهم الحرّ والغشيان (٣). وذلك قوله عزوجل : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) [الكهف : ٢٩] ثمّ يخرج من النار دخان أسود مظلم غليظ شديد حتّى يكون فوق رءوسهم. ثمّ يتفرّق ذلك الظلّ ثلاث فرق فوقهم على السرادقات ، فينطلق كلّ قوم من شدّة الحرّ الذي أصابهم من حرّ السرادق ، فذلك قوله : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ).
قال تعالى : (لا بارِدٍ) : أي لا بارد في الظلّ (وَلا كَرِيمٍ) (٤٤) : أي في المنزل. والكريم : الحسن.
قال تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) (٤٥) : هو كقوله عزوجل : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (١٣) [الانشقاق : ١٣]. والمترفون أهل السعة والنعمة في الدنيا ، يعني المشركين. ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر (٤).
__________________
(١) انظر ما سلف ، ج ٢ ، تفسير الآية ٤٨ من سورة الكهف.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٥٠.
(٣) كذا في ق وع : «الغشيان» ، وله وجه ، ولعلّه : «الغثيان».
(٤) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق عن أبي هريرة (رقم ٢٩٥٦) وهو أوّل أحاديث الكتاب.