فأنزل الله : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) : أي دون أن شكوتم فقلتم : إنّ أموالنا لا تطيق ذلك (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) : أي إنّ ذلك يضع عنكم هذه الصدقات ، وهي الصلاة المكتوبة والزكاة المفروضة.
وقال بعضهم : كان الناس أحفوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المسألة ففطمهم الله (١) عنه بهذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) فكان أحدهم لا يسأل النبيّ عليهالسلام حاجة حتّى يقدّم بين يدي نجواه صدقة.
فاشتدّ ذلك عليهم ، فأنزل الله هذه الآية فنسختها : (أَأَشْفَقْتُمْ ، أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي : أتمّوا الصلاة (وَآتُوا الزَّكاةَ) أي : أتمّوا الزكاة. قال تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٣).
قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ) : وهم المنافقون وادّوا المشركين وناصحوهم فأدّوا إليهم أخبار المؤمنين وأسرارهم. قال : (ما هُمْ مِنْكُمْ) يقوله للمؤمنين. (ما هُمْ مِنْكُمْ) أي ليسوا من المؤمنين في الاسم والثواب ، [ما هم منكم في باطن أمرهم ، إنّما يظهرون لكم الإيمان وليس في قلوبهم] (٢) (وَلا مِنْهُمْ) يعني من المشركين [في ظاهر أمرهم لأنّهم يظهرون لكم الإيمان ويسرّون معهم الشرك] (٣). ليسوا من المشركين في الحكم والسيرة. كقوله تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) [النساء : ١٤٣]. قال : (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٤) : أي وهم يعلمون أنّهم كاذبون فيما حلفوا عليه ، أي أنّهم منكم وليسوا منكم. كقوله تعالى : (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) (٥٦) [التوبة : ٥٦].
__________________
(١) في ع وق : «فعصمهم الله» ، وفيه تصحيف. وقد وردت العبارة في ز ورقة ٣٥٥ هكذا : «كان الناس أحفوا رسول الله بالمسألة حتّى آذوه ففطمهم الله عنه بهذه الآية ...» ، أي : حبسهم وصدّهم عنه. وهو قول لقتادة كما في ز ، وفي تفسير ابن كثير ، ج ٦ ص ٥٨٨ نسب هذا القول إلى قتادة ومقاتل بن حيّان.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٣٥٥.
(٣) زيادة من ز ، ورقة ٣٥٥.